الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، وبعد: فإنه سألني بعض العلماء المبرزين عن البحث الذي أورده العلامة الحسن بن أحمد الجلال - رحمه الله - في ضوء النهار (١) أنه لا يحد قاذف الرجل، وإنما يختص وجوب الحد بقاذف المرأة، واستحسن السائل ذلك البحث ورجحه، وقال: لا عذر من المصير إليه، وهاأنا الآن أورد كلام الجلال، وأتكلم على ما فيه، ثم أورد ما يدل على ثبوت الحد على قاذف الرجل.
قال رحمه الله ما لفظه: وأما قاذف الرجل فلا تنتهض عليه الآية؛ لأن جمع المؤنث لا يطلق على جمع المذكر تغليبًا ولا غيره كما علم، وربما يدعى فيه الإجماع وفي نفسي منه شيء؛ لأن نقل الإجماع لا يصح.
أقول: ذكر أنه ربما يدعى فيه الإجماع ثم تخلص من صحة هذه الدعوى بكون في نفسه من ذلك شيء، ثم علل لما وجده في نفسه بأن نقل الإجماع لا يصح. ولا يخفاك أنه إذا لم يصح النقل للإجماع كما زعمه لم يبق حجة للناقل، سواء وقع في نفس المعترض على النقل ما ذكره من الشيء أم لم يقع، فإن كان المستند لدفع النقل هو مجرد وقوع شيء في نفسه فليس على الناقل من هذا الشيء شيء، ولا ينفق في سوق المناظرة وقوع الشك في نفس أحد المتناظرين، ولا يندفع به حجة الناقل للحجة، ولو كان مجرد الشكوك قادحًا في النقول التي تورد في مقام المناظرة لم يبق لمناظر حجة على خصمه، ولا يصفو له دليل؛ لأنه لا يعجز الآخر أن يقول: في نفسي من هذا شيء.
وإن كان المستند لدفع النقل هو عدم صحة النقل قائمًا فائدة لتوسيط قوله: وفي نفسي منه شيء. فإن دفع صحة النقل كاف سواء وقع في نفسه ذلك الشيء أم لا [١أ]،