قوله: إنما لدفع النقيصة، لا بد من الدليل على أن هذه علة شرعية على حد القذف، ولا دليل، بل قد يقال: النقيصة قد وقعت بنفس الرمي والجلد لا يدفعها، فلو قيل: أن العلة في شرعية حد القذف هي صيانة الأعراض؛ لأنه إذا علم من يريد الرمي أنه يجلد ترك ذلك كما في حكمة مشروعية القصاص فإنها حقن للدماء؛ لأنه إذا علم أنه إذا قتل ترك القتل كما أشار إليه قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} لكان أولى والنساء والرجال في هذا سواء. قوله: ولهذا كانوا يئدون البنات، قال الأمير الصنعاني تعليقًا على ذلك ما نصه: " أي كان العرب يقتلون البنات صغارًا لدفع نقيصة الرمي بالزنى سدًا للذريعة بقتلهن صغارًا؛ وفي كتب التفسير أن قتل العرب للبنات إما مخافة الإملاق أو لخوف العار الذي يلحق من أجلهن، ولا يخفى أن هذا الوأد للبنات إنما كان من بعض العرب خاصة وشرعية الجلد لكل من قذف محصنة من العرب كان أو العجم، وكأن الشارح يريد أن ذلك سبب النزول فلا يمنع عموم الحكم ". انظر: " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير (٣/ ٣٦١ - ٣٦٢). (٢) الاستحسان: هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص، وهو مذهب أحمد. وقد تقدم. " المسودة " (ص٤٥١). حجية الاستحسان: ١ - ذهب جمهور الحنفية والمالكية والحنابلة أنه دليل شرعي تثبت به الأحكام في مقابلة ما يوجبه القياس، أو عموم النص، وقد تعدت عباراتهم في تعريفه وفي بيان أنواعه. ٢ - ذهب الشافعي إلى أنه ليس بدليل شرعي، فقد قال الشافعي في الرسالة (ص٥٠٣): " الاستحسان تلذذ، ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب وأن يخرج كل أحد لنفسه شرعًا ". ٣ - ذهب فريق من العلماء أنه دليل شرعي ولكنه ليس دليلاً مستقلاً بل هو راجع إلى الأدلة الشرعية الأخرى؛ لأن مآله عند التحقيق هو العمل بقياس ترجيح على قياس أو العمل بالعرف، أو المصلحة. فقد قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص٧٨٩) آخر البحث الرابع الاستحسان ما نصه: فعرفت بمجموع ما ذكرنا أن ذكر الاستحسان في بحث مستقل لا فائدة فيه أصلاً؛ لأنه إن كان راجعًا إلى الأدلة المتقدمة فهو تكرار، وإن كان خارجًا عنها فليس من الشرع في شيء بل هو من التقول على هذه الشريعة بما لم يكن فيها تارة وبما يضادها أخرى. وانظر " تيسير التحرير " (٤/ ٧٨)، " اللمع " (ص٦٨).