للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: إن كان هؤلاء الذين كانوا لا يرون باسًا هم أهل الجاهلية فما لنا ولهم! فقد كانوا يرون أن القتل، ونهب الأموال، وشرب الخمر من أعظم المناقب، والتمادح بمثل هذه الأمور، والتفاخر بها في كلامهم نظمًا ونثرًا أكثر من الزنا، يعرف هذا كل من له علم بأحوالهم. ثم جاء الإسلام وجعل هذه الأمور التي كانوا يعدونها مناقب مثالب ومعاصي كبيرة، ومخازي عظيمة. وإن كان هؤلاء الذين كانوا لا يرون بالزنا بأسًا هم أهل الإسلام فهذا كذب بحت، وزور صراح، فأي فائدة تتعلق بمثل هذا الكلام الساقط! وأي مسلم من المسلمين لا يرى بقول من قال له: يا زاني بأسًا!.

قال: حتى إن معاوية بن أبي سفيان استلحق زيادًا (١) في الإسلام، ولم ير بنسبته الزنا


(١) قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (٣/ ٤٩٤): زياد بن أبيه وهو زياد بن عبيد الثقفي وهو زياد ابن سمية وهي أمه، وهو زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه أخوه. يكنى أبا المغيرة له إدراك، ولد عام الهجرة وأسلم زمن الصديق وهو مراهق وهو أخو أبي بكرة الثقفي الصحابي لأمه. ثم كان كاتبا لأبي موسى الأشعري زمن إمرته على البصرة.
* يقال: إن أبا سفيان أتى الطائف، فسكر، فطلب بغيًا، فواقع سمية وكانت مزوجة بعبيد، فولدت من جماعه زيادًا، فلما رآه معاوية من أفراد الدهر، استعطفه وادعاه، وقال: نزل من ظهر أبي.
قال الحافظ في " الفتح " (١٢/ ٤٦): وكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين بحديث: " الولد للفراش ".
وأخرج البخاري في صحيحه (١٢/ ٤٦) في " الفرائض ": باب من ادعى إلى غير أبيه، من طريق مسدد، عن خالد بن عبيد الله الواسطي، عن خالد بن مهران الحذاء عن أبي عثمان النهدي، عن سعيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام " فذكرته (القائل أبو عثمان النهدي) لأبي بكرة، فقال: وأنا سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأخرجه مسلم رقم (٦٣) من طريق عمرو الناقد، حدثنا هشيم بن بشير، أخبرنا خالد عن أبي عثمان، قال: لما ادعي زياد لقيت أبا بكرة، فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت أذناي من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقول: " من ادعى أبًا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام " فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال الحافظ ابن حجر: " وإنما خص أبو عثمان النهدي أبا بكرة بالإنكار؛ لأن زيادًا كان أخاه من أمه ".
انظر: " شذرات الذهب " (١/ ٥٩)، " التاريخ الكبير " (٣/ ٣٥٧)، " طبقات ابن سعد " (٧/ ٩٩).