للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا القذف الواقع بعد الجلد إن كان موجبًا لتكرير الجلد فالقاذف بمنزلة شاهد رابع، ومن شهد عليه أربعة على الصفة المعتبرة يحد، هذا هو الوارد في القصة، ولم يثبت غيره فلم يخالف علي عمر في استحقاق الثلاثة للجلد، وأنهم قذفة، إنما خالفه فيما أراده [٤أ] من تكرير جلد أبي بكرة. والأمر واضح لا يخفى، والقصة موجودة في كتب (١) السير والتاريخ والحديث، فمن شك في هذا رجع إليها.

قال (٢) ثم في ذلك دلالة على أن حدهم ليس بمجمع عليه كما قيل إنه بمحضر من الصحابة، ولم ينكر فكان إجماعًا، كيف يكون إجماعًا مع خلاف علي!.

أقول: هذا مبني على صحة ما زعمه من مخالفة علي لعمر. وقد عرفت أنه وافقه ولم يخالفه إلا في شيء آخر غير أصل حد القاذف (٣) إذا كان المقذوف رجلاً وهو تكرير جلد القاذف إذا تكلم بشيء من القذف بعد جلده، وكان المقذوف واحدًا. وقد وافقه على هذا عمر فاتفقا على أصل جلد القاذف للرجل، كما اتفقا على عدم تكرير جلد القاذف لرجل واحد، فلا خلاف يقدح فيما ذكره من الإجماع.

قال: ولو سلم فغايته إجماع سكوتي (٤)، ولا ينتهض السكوتي حجة، لأن عمر كان مهيبًا منفذًا لرأيه، ويعد من الغريب الملغي، ومن شروط الاحتجاج بالإجماع السكوتي


(١) تقدم ذكره.
(٢) أي السائل.
(٣) قال ابن قدامة في " المغني " (١٢/ ٣٦٧): وإذا لم تكمل شهود الزنى فعليهم الحد في قول أكثر أهل العلم، منهم مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي ثم قال ولنا: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] وهذا يوجب الجلد على كل رام لم يشهد بما قال أربعة، ولأنه إجماع الصحابة، ثم ذكر قصة جلد عمر لأبي بكرة وأصحابه.
وقال البخاري في صحيحه باب شهادة القاذف والسارق والزاني
وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعًا بقذف المغيرة ... ".
" فتح الباري " (٥/ ٢٥٥ - ٢٥٦).
(٤) تقدم تعريفه.