للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن لا يكون لمانع من الإنكار كما علم في الأصول.

أقول: لا ينبغي لمؤمن يؤمن بالله (واليوم الآخر)، ويعرف ما عظمه الله ورسوله من حق الصحابة أن يقول بمثل هذه المقالة، أو يظن بالصحابة - رضي الله عنهم - أنهم يكتمون ما عندهم من العلم هيبة لعمر أو غيره، فقد كانوا يراجعونه ويدفعون كثيرًا من أقواله، ويقبل ذلك ولا يغضب ولا ينكره، بل ردت عليه امرأة لما أراد تقدير المهر بقدر لا يثقل على الناس فقالت له: إن الله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارا} (١)، فقال: " كل الناس أعلم من عمر حتى النساء في خدورهن " (٢)، ومراجعته (٣) هو وجماعة من الصحابة مدونة في كتب الحديث والسير يعرفها كل أحد [٤ب].

ثم قد قدم قريبًا ما وقع من علي من الاعتراض على عمر، وهو ينقض عليه ما ذكره هنا، فإن الرجل الذي اعترض عليه علي فيما تقدم هو هذا المهيب الذي لا يستطيع أحد الإنكار عليه. وأما ما يروى عن ابن عباس أنه قال لما قال له قائل: لم لم تظهر قولك في العول في أيام عمر؟ فقال: كان رجلاً مهيبًا فهبته، فينبغي النظر في صحة هذه الرواية (٤)،


(١) [النساء: ٢٠].
(٢) أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (٧/ ٢٣٣) وسعيد بن منصور في سننه (١/ ١٦٦ - ١٦٧) وعبد الرازق في مصنفه (٦/ ١٨٠) عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذه الآية {وآتيتم إحداهن قنطارا}.
وأخرجه عبد الرازق في مصنفه رقم (١٠٤٢٠) عن عمر أنه قال: لا تغالوا في مهر النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب} - كما في قراءة ابن مسعود - فقال عمر: خاصمت عمر فخصمته.
وانظر: تخريج الحديث في " نيل الأوطار " (٤/ ٢٤٣).
(٣) تقدم ذكره.
(٤) روي عن ابن عباس، أنه قال، في زوج، وأخت وأم: من شاء باهلته أن المسائل لا تعول، إن الذي أحصى رمل عالج عددًا أعدل من أن يجعل في مال نصفًا، ونصفًا وثلثًا هذان نصفان ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث؟ فسميت هذه مسألة المباهلة لذلك، وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر - رضي الله عنه -، فجمع الصحابة للمشورة فيها، فقال العباس: أرى أن تقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر - رضي الله عنه - واتبعه الناس على ذلك، حتى خالفهم ابن عباس، فروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: لقيت زفر بن أوس البصري، فقال: نمضي إلى عبد الله بن عباس، نتحدث عنده، فأتيناه فتحدثنا عنده، فكان حديثه، أنه قال: سبحان الله الذي أحصى رمل عالج عددًا، ثم يجعل في مال نصفًا، ونصفًا وثلثًا، ذهب النصفان بالمال، فأين موضع الثلث! وأيم الله، لو قدموا ما قدم الله، وأخروا من أخر الله، ما عالت فريضة أبدًا، فقال زفر: فمن الذي قدمه الله ومن الذي أخره الله؟ فقال: الذي أهبطه من فرض إلى فرض، فذلك الذي قدمه الله، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي، فذلك الذي أخره الله. فقال زفر: فمن أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب. فقلت: ألا أشرت عليه، فقال: هبته، وكان امرءًا مهيبًا.
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (٦/ ٢٥٣) وسعيد بن منصور في سننه (١/ ٤٤).
انظر: " المغني " (٩/ ٢٩ - ٣٠).