للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعبارات لا تقتصر في المعنى عن شهادة الآخرين المصرحين.

ولذا يروى (١) عنه - عليه السلام - أنه كان يقول: لئن أمكنني الله من المغيرة لألحقنه أحجاره، أو كما قال مما الله أعلم به، سيما وما كان إصرارهم إلا لتحققهم الأمر في شهادتهم، وفي تلعثم زياد للكتم لا جرأة منهم على عدم التوبة. وإذا كان كذلك فالنصاب كامل، فلا حد على الثلاثة المذكورين، لا لأنه لا يحد قاذف الرجل على هذا الاحتمال، والاحتمال الأول هو الأظهر من كلامه، ولا يحتمل غيرها كما فسر به العلماء كلامه.

وأما الثاني لانتهاض الآية الكريمة (٢) للاستدلال بها، وصلاحيتها للتغليب للإناث، فيتناول قاذف الرجل في هذا الموضع نظرا إلى أن معنى الباعث على شرعية الحكم في النساء، سواء لكون عرضهن أهم في الحفظ من عرض الرجال والصيانة فيهن أشد قصدا إذ نقيصتهن بالزنا نقيصة لهن وللرجال وقصور عرض الرجال عن ذلك لقصرها عليهم واسع اشتراكا في أصل قصد الصيانة للعرض عن نقيصة نسبة الزنا إليهن، ومجازية التغليب إنما تكون بالنظر إلى من هو أقوى في المعنى المقصود الملاحظ لأجله التغليب [٢أ].

فجهة التغليب في النساء هاهنا أقوى خصوصا، وإن كان الغالب في هذا الباب أن تكون قوته في الرجال، وأما فيما نحن فيه فالنساء فيهن أقوى كما عرفت، وقد يشبه هذا قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} - إلى قوله - {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (٣)


(١) فلينظر من أخرجه، وأظنه باطلا.
(٢) قال الألوسي في " روح المعاني " (١٨/ ٨٨ - ٨٩): والظاهر أن المراد النساء المحصنات وعليه يكون ثبوت وجوب جلد رامي المحصن بدلالة النص للقطع بالفاء الفارق وهو صفة الأنوثة واستقلال دفع عارما نسب إليه بالتأثير بحيث لا يتوقف فهمه على ثبوت أهلية الاجتهاد، وكذا ثبوت وجوب جلد رامية المحصن أو المحصنة بتلك الدلالة وإلا فالذين يرمون للجمع المذكر، وتخصيص الذكور في جانب الرامي والإناث في جانب المرمي لخصوص الواقعة.
(٣) [النساء: ١٥].
قال ابن جرير الطبري في " جامع البيان " (٣\جـ ٤/ ٢٩٥ - ٢٩٦): وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) قول من قال: عنى به البكران غير المحصنين إذا زنيا، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة، لأنه لو كان مقصود بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال كما كان مقصودا بقوله: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) قصد البيان عن حكم الزواني، لقيل: والذين يأتونها منكم فآذوهم، أو قيل: والذي يأتيها منكم، كما قيل في التي قبلها: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) فأخرج ذكرهن على الجمع، ولم يقل: واللتان يأتيان الفاحشة، وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه، أخرجت أسماء أهله بذكر الجمع أو الواحد، وذلك أن الواحد يدل على جنسه، ولا تخرجها بذكر اثنين، فتقول: الذين يفعلون كذا، فلهم كذا، والذي يفعل كذا، فله كذا، ولا تقول: اللذان يفعلان كذا فلهما كذا إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين كالزنا لا يكون إلى من زان وزانية ... "
وقال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (٥/ ٨٧): قال السدي وقتادة وغيرهما الأولى في النساء المحصنات، يريد ودخل معهن من أحصن من الرجال بالمعنى، والثانية في الرجل والمرأة البكرين ... "