قال: نعم إبطال أن العلة ما ذكر الجلال مع بيان أن العلة غيرها ... إلخ.
أقول: قد ذكرنا في تلك الرسالة (١) ما قيل: إنه العلة فليراجعه تلميذنا - عافاه الله -.
قال: والفرق بين النقيصتين ضروري، فإن الرجل يجد من نفسه عند أن تزني ابنته ما لا يجده عنده أن يزني ولده.
أقول: سلمنا هذا فكان ماذا؟ فإن الشارع لم يربط الحد بأبلغ ما يجده الإنسان من العار، ولا قال بهذا قائل من المسلمين، ولو كان الأمر كذلك لم يثبت حد القذف إلا لمن هو قاذف لمن كان أعلى الناس رتبة، وأشرفهم نفسا؛ لأن في الناس من لا يبالي إذا قذفت ابنته أو أخته، أو يبالي مبالاة يسيرة، بل قد يجد الرجل الرفيع بزنى أمته زيادة مما يجده هذا بزنى ابنته وأخته، بل قد يجد الرجل الرفيع عالي الهمة للكلمة التي فيها أدنى انتقاص وأحقر شتم زيادة على ما يجده [٣ب] من قذفت بالزنى ابنته. وقد تكون الكلمة التي يعدها الوضيع كمالا ومدحا عند الرفيع نقصا وهجاء، فبالله دعونا من تقويم المعوج، وإصلاح الفاسد، فإن الكلام على كون هذا قذفا فيه من النقص ما هو أشد من غيره، أو أخف من غيره ليس من الشرع في شيء، ولا اعتبره أحد بل هو من ساقط المقال، وزائف النظر، والله يحب الإنصاف.
قال: ولا يريد إلا أهل الجاهلية ... إلخ.
أقول: إن كان يريد بذلك أهل الجاهلية فما ينفعه ولا يضرنا، فإنه جاء الشرع بأن الزنى نقيصة على الذكر والأنثى، ومذمة بالغة، وصار مما يتغاير به المسلمون، وينتقصون فاعله، فإذا كان أهل الجاهلية لا يتغايرون به، أو لا يرونه نقصا فيما يفيد هذا من فائدة! فإنا بصدد الكلام على الأحكام الشرعية، لا على ذكر مآثر الجاهلية، وما كانت عليه، وما يحمد عندها ويذم، فكيف قال تلميذنا - كثر الله فوائده -: فإنا لو سوغنا أن هذا الكلام قادح فيما نقل الجلال لسددنا باب رواية أخبار العرب ووقائعها وأشعارها