الجلال لم يقع موقعه، ولا صادف محزه (١)؛ لأنه جاء بالنقض، ثم بشاهد النقض في موضع لا يصلح فيه إلا طلب تصحيح النقل، فكان مجرد نقضه فاسدا وشاهده دعوى.
قال: وكلامه على القياس ليس لإثباته.
أقول: هكذا نقول إنه لم يحرر هذا البحث إلا لإبطال أدلة المستدلين على وجوب الحد على قاذف الرجل، ولكنه ادعى لتلك الأدلة عللا وأسبابا لم يقل بها المستدل، ولا يوجد في كتبه، فإن كان كل من تكلم على دليل فقد بطل بمجرد كلامه لزم بطلان غالب الأدلة، وإن كان الكلام الذي يوجب بطلان الدليل من منع، أو نقض، أو معارضة هو ما كان من ذلك جاريا على الوجه المعتبر فليس منه ما فعله الجلال، فإنه زعم عدم صحة نقل الإجماع بمجرد قوله: لا يصح، وزعم بطلان القياس بمجرد قوله: إن علة الحد دفع النقيصة، فهل يبطل القياس بمجرد ذكره بهذه العلة؟
إن قلتم: نعم، لزم بطلان كل قياس يزعم الخصم أن له علة مدفوعة، سواء كانت العلة في الواقع أو لا، وحينئذ لا يعجز أحد عن دفع دليل القياس؛ لأنه يعلله بعلة باطلة، ويبطله بإبطالها، وليس لأحد أن يقول له هذه العلة [٣أ] التي ذكرت ليست العلة التي قصدها الشارع، فإن قال قائل بذلك قلنا له: بل هي العلة كما زعم خصمك شئت أم أبيت، فقد بطل قياسك ببطلانها، وهذا الصنيع ليس من العلم في شيء.
وإن قلتم: لا يقبل القدح في استدلال من استدل بالقياس بالقدح في علته بكونها كذا وكذا، أو كذا إلا إذا كانت تلك العلة المقدوح فيها هي العلة في زعم المستدل.
فنقول: هذا صحيح، ولكن ما زعمه الجلال من أن العلة في حد القذف لم يقل به أحد، ولا وقفنا عليه في شيء مما قد وقفنا عليه، فكيف يلزم المستدل بذلك القياس أن يتحملوا ما حملهم الجلال حتى يبطل قياسهم بمجرد ما جاء به من عند نفسه من العلة!