للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضا من النقض؛ لأنه قد أبان فساد نقل الإجماع بشاهد في زعمه، وهو قوله: لأن نقل الإجماع لا يصح، وكثيرا ما يلتبس النقض بالمنع، وشاهد النقض بسند المنع، وهما متفارقان تفارقا في غاية الوضوح والجلاء.

قال: ليس في محله؛ لأن مثبت الحد على قاذف الرجل الحر.

أقول: الناقل للإجماع مستدلا به على مطلب من المطالب إن كان الكلام معه في صحيح نقل الإجماع فهذا لا يشك أحد على أنه كلام على النقل، وإن كان الكلام معه في حجية ذلك الإجماع الذي استدل به فهذا كلام معه في الدليل، وجواب الكلام الأول تصحيح النقل، وجواب الثاني الاستدلال، والذي نحن بصدده، وكلامنا عليه هو قول الجلال؛ لأن نقل الإجماع لا يصح، وهذه العبارة يعلم كل من يفهم تراكيب كلام العرب أن المراد بها الإخبار بعدم صحة الإجماع لا بعدم دلالته، فهذا وجه قولنا في تلك الرسالة: إن المقام مقام أن يطلب منه صحة النقل.

قال: هو أن يروي المجمع عليه عن أهل الإجماع بنقل عدل تام الضبط ... إلخ.

أقول: هكذا نقول، ولسنا ممن يخالف في هذا، وإنما تكلمنا على ما في كلام الجلال من مخالفة مسلك المناظرة؛ لأنه قام مقام النقض في مقام طلب تصحيح النقل، ولم نقل [٢ب] أنها قد قامت عليه الحجة بمجرد دعوى الإجماع، كيف أقول بهذا وأنا لا أرى حجية الإجماع (١) بعد صحة نقله! فضلا عن مجرد إجماع مدعى، هذا باعتبار ما يقتضيه ظاهر عبارة تلميذنا - كثر الله فوائده - فإنه انتقل من كون كلامنا السابق كلاما على سند المنع إلى اعتبار تصحيح نقل الإجماع بتلك الطريق، ولم يتكلم إلا على أن كلام


(١) هذا رأي الشوكاني، وانظره مفصلا في " إرشاد الفحول " (ص ٢٩٣) وما بعدها.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور أن الإجماع إذا استوفى شروطه يكون حجة قطعية ملزمة للمسلمين، فلا يجوز معه المخالفة أو النقض.
انظر: " حجية الإجماع " للفرغلي (ص ١٣٠ - ١٦٢).