للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التغليب (١) فإن قدح فيه تلميذنا أو صح ذلك.

قال: ففيه ما أسلفنا من عدم بيان علة القياس، ومسلكها إلى آخره.

أقول: كان الأولى بالمقام الاستفسار عن ذلك، حتى يورده مدعيه، لا جعل عدم الذكر اعتراضا، فليس كل مستدل بالقياس في مسألة من المسائل يذكر أركان القياس، ويبين مسالك علته، وليس مثل هذا مما يخفى على تلميذنا - عافاه الله - فلا نطول بذكره. قال: فيقال عليه: من ذا المراد من الخلفاء الراشدين هل جميعهم ... إلخ.

أقول: قد قدح تلميذنا - عافاه الله - في دلالة الحديث على الكل والبعض، والمعين وغير المعين، والمفرد والمتعدد، ولعله لم يتصور أن هذا يستلزم [٦أ] الاعتراض على الشارع؛ لأن كلامه في هذا الحديث لا يصح حمله على معنى يصح الحمل عليه، فلم يبق إلا رده عليه أو الحكم بأنه كذب، أو أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تكلم بما لا معنى له، فاعتراض تلميذنا وتقسيمه للمراد بالحديث إلى تلك الأقسام وإبطاله لكل قسم منها قد استلزم هذا، وإن لم يكن مرادا له - عافاه الله - وكان ينبغي حمله على الخلفاء الموجودين في الثلاثين السنة الكائنة بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لقوله: " الخلافة من بعدي ثلاثون عاما، ثم يكون ملكا عضوضا " (٢) فإن هذا الحديث يرشد إلى خلافة الحق، وإلى خلفاء الرشد المذكورين في الحديث، ويعبر عن المراد به، ولا ينفي وجود خلفاء آخرين لم يكونوا مرادين بالحديث، فإذا ضم هذا إلى أن اللام الداخلة على الجمع تهدمه، ويصير للجنس كما تقرر في علم البيان والأصول صار معنى الحديث في غاية الوضوح. وهذا عندي في معنى الحديث ما لا يتسع له البسط، وإنما أوردته في تلك الرسالة تكميلا لاحتجاج من احتج بالقصة العمرية. وقد أهمل تلميذنا - كثر الله فوائده - الكلام على ما ذكرنا من القذف للرجل بأنه يلوط أو ....................................


(١) التغليب: هو إعطاء شيء حكم غيره، وقيل: ترجيح أحد المغلوبين على الآخر، وإطلاق لفظه عليهما وإجراء للمختلفين مجرى المتفقين.
نحو: (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [التحريم: ١٢].
(إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) [الأعراف: ٨٣].
والأصل من القانتات والغابرات، فعدت الأنثى من المذكر بحكم التغليب.
قال في البرهان: إنما كان التغليب من باب المجاز؛ لأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له، ألا ترى أن القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق على غير ما وضع له
" معترك الأقران " (١/ ١٩٧ - ١٩٨).
(٢) تقدم تخريجه في الرسالة (١٥٤).