للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا لفظ ما حرره في المقام الولد العلامة الهمام محمد بن علي الشوكاني، أدام الله إفادته، وجعله للمتقين إمامًا، وجعل الجميع ممن يعمل ما يرضيه، ويتجنب ما لا يرضيه.

الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وبعد: فإنه وصل هذا البحث النفيس من سيدي العلامة الأجل شرف الملة - حماه الله ورعاه، وكلأه وبارك للمسلمين في علومه-. وقد أفاد وأجاد، ولكنه خطر بالبال حال تحرير هذه الأحرف من دون بحث كتاب أن مرجع الأمر إلى معرفة ما هو المراد بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "يهودانه، وينصرانه" (١) هل المراد أنهما يصيرانه كذلك بمجرد كون الأب أبًا له، والأم أمًّا له حال كونهما متصفين بوصف الكفر، أو المراد أنهما يحببان إليه ذلك أو المراد أنه يصير بالملازمة لهما متدينًا بدينهما بعد كونه مولودًا على الفطرة، أو المراد أنهما يصيرانه على دينهما عند أن يصير متصفًا بوصف البلوغ الذي هو المناط للأحكام الشرعية؟ فإن هذا كان المراد المعنى الأول فالصبي المولود لليهوديين والنصرانيين يصير كافرًا بمجرد كون أبويه كذلك، سواء كان الأبوان باقيين على الحياة، أو ميتين، وسواء كان الموت عند الولادة أو بعدهما، قبل بلوغ الصبي، فعلى هذا لا يصير الولد مسلمًا بكونه في دارنا دونهما؛ لأن الأبوين قد هوداه ونصراه بمجرد كونهما متصفين بوصف الأبوة، ويرثهما ويرثانه، ولا يثبت له حكم الإسلام إلا باختياره بعد بلوغه (٢)، ولكن يبقى الكلام هل تصح على معنى هذا الجملة المضارعية! أعني: قوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "يهودانه، وينصرانه"، لما تقرر أنها للاستمرار التجددي، ويمكن أن يقال أن المراد بالاستمرار الذي هو مدلوله المضارعية هو الكائن في حال حياتهما، أي:


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في حاشية المخطوط ما نصه: لا يخفى أن هذا الوجه ... لا يساعده قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما من مولود إلا ويولد على الملة حتى يبين عليه لسانه، وجعل بيوت الملة له متهيأ بأنه لسانه، ولا آبائه عند بلوغه" تأمل غفر الله له، ومتع المسلمين بأيامه.