للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستمر ذلك ما داما في الحياة وإن كانت غير مستمرة إلى حال البلوغ فإذا مثلًا: مات الأبوان بعد ولادة الولد بشهر فقد استمر في تلك المدة جعلهما له يهوديًّا أو نصرانيًّا، وليس في الحديث ما يدل على غير هذا، وإن كان المراد المعنى الثاني فلا يصدق ذلك إلا على من عاش أبواه أو أحدهما إلى زمان يتعقل فيه الصبي ما يقال له، ويؤيد هذا أنه لا بد في كونهم مهودين له أو منصرين من تعقل المفعول به لذلك المعنى، وهو لا يتعقله قبل بلوغ سن التمييز.

وعلى هذا يكون الصبي كافرًا بكفر أبويه، بمجرد إدراكه لهما أو لأحدهما، وهو مميز فلا يصير بعد موتهما مسلمًا بكونه في دارنا دونهما، بل هو على دينهما حتى يبلغ، ويختار خلافه، وحينئذ يرثهما ويرثانه ما دام غير خارج عن دينهما (١) باختياره.

وإن كان المراد المعنى الثالث فالولد يصير متدينًا [٤] بدين الأبوين مجرد ثبوت الملازمة لهما، وليس في ذلك ما يقتضي اعتبار استمرارها إلى البلوغ، لصدق مسمى الملازمة على ثبوتها في مدة من المدد. ألا ترى أنه يقال في اللغة (٢): لازم فلانًا يومًا، أو يومين، أو ثلاثًا، أو أسبوعًا وسنة. ويأتي ما سلف من اعتبار كونهما بين مميزين.

والظاهر عدم اعتبار ذلك؛ لأنه يقال: لازم فلان داره، أو بلده، أو ضيعته، أو المسجد. وعلى هذا فلا يكون الصبي مسلمًا بعدم وجود أبويه في دارنا، وحكمه حكم غيره من الكفار في أحكام الذمي. وأما في الأحكام الأخرى ففيه الخلاف الطويل العريض في أحكام أطفال الكفار. والأدلة في ذلك مختلفة غاية الاختلاف.

وعلى الجملة فالمسألة من مطارح الأنظار، ومسارح اجتهاد الأئمة الكبار. وقد حررت فيها في سالف الأيام بحثًا مطولًا.


(١) في حاشية المخطوط ما نصه: لا يخفى أن اختيار هذه الإرادة يهدم ما دل عليه الحديث في ثبوت الإسلام حتى يبلغ عنه.
(٢) "لسان العرب" (١٢/ ٥٤٢) ط: دار صادر- بيروت.