للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وناهيك باجتماع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بهم في غير موطن حتى صرح بعض الحفاظ أنه اجتمع بهم في أربعة مواضع، وصرح آخر أنه اجتمع هم في خمسة مواضع، وروى ذلك عن الحاضرين معه الجمع الجم من أهل العلم، وبعد هذا كله فكثير من عباد الله قد اجتمع بالجن وجمع كلامهم، وسألوه وسألهم، وهذا موجود في كل عصر من العصور قد تتبعنا من وقع له ذلك من الثقات فثبت لنا بذلك التواتر المعنوي.

بل راقم هذه الأحرف -غفر الله له- قد سمع كلامهم غير مرة، وطال بينه وبينهم الخطاب، وبعضهم آخذ يدي وقبلها، وكانت كفه كأكبر ما يكون من أيدي الإنس مع قصر في أصابعها (١)

والحمد لله أولا وأخيرا.

كتبه محمد بن علي الشوكاني -غفر الله لهما-[٣ أ].


(١) قال الحافظ في الفتح (٨/ ٦٦٩): واختلف في أصلهم -أي الجن- فقيل: إن أصلهم من ولد إبليس فمن كان منهم كافرا سمي شيطانا. وقيل: إن الشياطين خاصة أولاد إبليس. ومن عداهم ليسوا من ولده، وحديث ابن عباس -رقم (٤٩٢١) - يقوي أنهم واحد من أصل واحد، واختلف صنفه فمن كان كافرا سمي شيطانا، وإلا قيل له: جني. ولذلك قالوا: الجن والشياطين لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان فلا يقال لمن آمن منهم: أنه شيطان.
- أوصاف الجن من الأدلة الواردة في شأنهم إما نصا وإما استنباط فمن أوصافهم:
١ - \ أنهم قادرون على التصور بصور مختلفة.
٢ - \ أنهم يأكلون ويشربون، وهناك من نفى ذلك ولكن الراجح الإثبات لثبوت ذلك نصا -من الأحاديث المتقدمة.
٣ - \ أنهم يتناكحون، ويتوالدون، وفيهم الذكور والإناث.
٤ - \ أنهم يتكلمون بكلام الإنس، ويسرقون ويخدعون.
٥ - \ أن لهم قوة على التوصل إلى باطن الإنسان، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم وذلك إما على ظاهره -تقدم من حديث صفية. وإما على سبيل الاستعارة من كثرة الأعوان، وكأنه لا يفارق كالدم، فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة.
٦ - \هل تمكن رؤيتهم أو لا؟ فيه خلاف على ثلاثة أقوال:
أحدها: النفي مطلقا، لقوله تعالى:} إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم {[الأعراف: ٢٧]. وهدا قول أكثر العلماء، حتى قال الشافعي من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته واستدل بهذه الآية.
وثانيها: أن نفي رؤية الإنس للجن على هيئتهم ليس بقاطع من الآية. بل ظاهرها أنه ممكن، فإن نفي رؤيتنا إياهم مقيد بحال رؤيتهم لنا، ولا بنفي إمكان رؤيتنا لهم في غبر تلك الحالة.
وثالثهما: أنه تمكن رؤية الجني في حال تصوره بغير صورته، أما رؤيته على صورته التي خلق عليها فلا وأن ذلك هو مقصود الآية.
والقول الراجح الثالث وكذلك رجحه الحافظ ابن حجر.
* وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة؛ لأن الجماعة اتفقوا على أن الجن مكلفون. وهو قول الأئمة وغيرهم فقال الحافظ: "لم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي واختلف هل يثابون؟.
وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، ثم اختلفوا: هل يدخلون مدخل الإنس؟ على أربعة أقوال:
١ - \ نعم- يدخلون مدخل الإنس، وهو قول الأكثر.
٢ - \ يكونون في ربض الجنة، وهو منقول عن مالك وطائفة.
٣ - \ أنهم أصحاب الأعراف.
٤ - \ التوقف عن الجواب في هذا.
ولا شك أن الجن من الغيب الذي يجب الإيمان بما ثبت بالدليل الصحيح من أمورهم، والكف عما لم يدل عليه الدليل، لأنه من الرجم بالغيب، وقد قال تعالى:} وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {[الإسراء: ٣٦].
وانظر: فتح الباري "باب صفة إبليس وجنوده" من كتاب بدء الخلق- شرح سورة} قل أوحي إلي {كتاب التفسير.