للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من جزيرة العرب (١) ثم قال: أخرجوهم من الحجاز عرفنا أن مقصوده بجزيرة العرب الحجاز فقط، ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا أن رعاية المصلحة في إخراجهم منه أقوى، فوجب مراعاة المصلحة إذا كانت في تقريرهم أقوى منها في إخراجهم. ولا شك أن امتناعهم من القيام بهذه العهدة التي هي رأس المصالح قادح في جواز التقرير، قادح. قال في الغيث (٢): هذا أقوى ما يحتج به أصحابنا في جواز تقريرهم في بلاد العرب. انتهى.

وهذا الاستدلال وإن كان فيه عندي نظر من وجوه ليس هذا محل إيرادها إلا أنه هو الدليل الذي بنيت عليه القناطر عند المتأخرين. وأما تخصيص الأمر بالإخراج بالحجاز فقد ذهب إليه جماعة من العلماء (٣)، ونصره العلامة المغربي الحسين بن محمد صاحب البدر، وألف في ذلك رسالة نفيسة، ولكنه إذا نظر المنصف إلى أن آخر ما تكلم به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" (٤) وأمعن النظر في المسألة الأصولية - أعني بناء العام على الخاص على جميع التقادير-، أو بناه على بعضها دون


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢٢٢) والبخاري رقم (٣٠٥٣) ومسلم رقم (٢٠/ ١٦٣٧) من حديث ابن عباس قال: اشتد برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه يوم الخميس وأوصى عند موته بثلاث: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" ونسيت الثالثة. والشك من سليمان الأحول.
* وأخرج البخاري في صحيحه رقم (٣١٥٢) من حديث ابن عمر: أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وذكر يهود خيبر إلى أن قال: أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء.
(٢) تقدم تعريفه.
(٣) قال الحافظ في "الفتح" (٦/ ١٧١): الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها. لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، وهو مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقًا إلا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلًا إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة.
(٤) تقدم تخريجه.