للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: الدليل الثامن: إجبار بني النضير على الخروج ومراعاة المصلحة هذه حكاية صحيحة منصوصة، لكن أثبتوا لنا وجه الدليل منها، هل بالنص أم بالقياس؟ وهل لعلة مستنبطة أم منصوصة؟ قولكم: فإذا كانت مراعاة المصلحة مجوزة للإجبار لم يمثل هذا الأمر العظيم أي الخروج من ديارهم فكيف لا يجوز إجبارهم بما هو دونه بمراحل في إصرار المجبرين، وفوقه بدرجات في الصلاح؟ يقال عليه [٦] يلزم على كلامكم جواز إجبارهم على كل ما هو دون الخروج من الديار المساوي للقتل، ولعل هذا لا يقوله أحد للزومه الباطل كما أشير إليه.

ثم قال: الدليل التاسع: حديث: "نزلوا الناس منازلهم" (١) وطول في ذلك، وأراد أن فيه دليلًا على مقصوده من توزيع الحرف الدنية على الكفار، والحرف الرفيعة على المؤمنين.

ولا دليل فيه على ذلك؛ فقد كانت التجارة أشرف المكاسب، وكم من كافر كان متعلقًا بها وغيرها من المهن، وإن كانت دنية كم من مسلم تلبس بها، وهذا مستمر من عصر النبوة إلى زمننا؛ حتى صار مما يدعى فيه الإجماع، ولم يقع التوزيع من أحد من السلف، ولا من غيرهم، ولم يعلمهم أخلوا بواجب تركوه حيث لم يوزعوا الحرف، فكيف يجعل من مقدمة الواجب! وكل مقدمة الواجب واجب، فإجبارهم من لم يمتثل واجب.

فنقول: الصغرى ممنوعة وسند المنع عدم دلالة حديث: "نزلوا الناس منازلهم" (٢) عليه، ولا على وجوبه، مع أنه على تسليم دلالته وجوب تنزيل الناس منازلهم في الحرف هو ممكن بدون إجبار اليهود بالعدول إلى الحطب أو غيره كما قدمناه.

ثم قال: الدليل العاشر: حديث أنس مرفوعًا أخرجه الشيخان (٣) والترمذي والنسائي: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ومراده أنا لا نرضى


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.