للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأزبال، وهذا وجه غير وجيه باعتبار ما سأل عنه المستفهم؛ لأنه إنما سأل عن جواز الإجبار إذا لم يحصل امتثال، ولم يقل إني أنزه اليهود عن هذه الرذيلة، وأخص لها أهل الإسلام إهانة مني لهم، وإعزازًا لأعداء الله، وتعظيمًا لهم، فتنزه أهل الإيمان عن الرذائل، لما يشك في حسنها. قل: فالجواب ليس بمطابق للسؤال.

ثم قال: الدليل السادس: أورد فيه حديث: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" (١). وديدن حول ما أراد من إجبار اليهود على ذلك المراد، ولعمري أن الحديث لا يدل على ذلك، مع تسليم أنه خبر في معنى الأمر كما قرره في كلامه، غايته أنه أمر المسلمين بالعلو، والتنزه عن الرذائل، فمن أين لنا الدليل من الحديث على إجبار اليهود؟ وكيف المأخذ؟ هل مطابقة أو تضمن، أو التزام مع أنه إنما قال لعله خبر في معنى الأمر ترجيًّا: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (٢).

ثم قال: الدليل السابع: وذكر حديثًا أخرجه مسلم بلفظ: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" (٣).

ومراده أن أهل الإسلام مأمورون بذلك لما فيه من ظهور العزة، يقال عليه: نعم مأمورون بذلك، فأين الدليل فيه على الإجبار على الالتقاط الذي هو المسئول عنه، وهو محل النزاع؟ فالله المستعان كيف جعل الأمر باضطرار اليهود إلى أضيق الطريق دليلًا على إجبارهم على التقاط الأزبال! فهذا الاستدلال لم يخطر لأحد على بال.

إن كان من النص فالمنصوص إنما هو الاضطرار، وإن كان قياسًا فهو محتاج إلى التصحيح والبيان، وأما التوجع على المسلمين من تلك الخصيلة الشنعاء فأمر وراء الجواب وغير داخل في محل النزاع.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) [الأحزاب: ٤].
(٣) تقدم تخريجه.