للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن القتل، والسبي، والتمثيل، والتعذيب أفظع وأفظع، ثم إنه وإن يسلم أن المراد من الخزي ما قاله فمن أين لنا التكليف لما دلت عليه الآية؟ إذ لا صيغة أمر حتى يدخل الإجبار على الالتقاط، ويجعله دليلًا لما سأل عنه المستفهم بقوله: هل من دليل على الإجبار؟ فينظر في ذلك.

ثم قال: الدليل الرابع: قول الله تعالى مخاطبًا لرسوله: {واغلظ عليهم} (١) يعني الكفار؛ أي جنس الكفار، وكل كافر، وخطابه خطاب لأمته. واستنبط من الآية أن كل فرد من المسلمين مأمور بالإغلاظ، وإذا كان كذلك فكيف يتردد في جواز الإجبار؟ إلخ ... كلامه وفي كلامه نظر لأنه إن أراد أن هذا هو الإغلاظ لغة فلا نعرفه في اللغة.

قال في القاموس (٢): الغلظة مثلثة، والغلاظة بالكسر، وكعنب: ضد الرقة، والفعل ككرم وضرب فهو غليظ وغلاظ، كغراب. والغلظ بالفتح الأرض الخشنة، وأغلظ نزل بها، والثواب وجده غليظًا واشتراه غليظًا كذلك، والقول خشن وغلظ عليه تغليظًا جعله غليظًا، وأغلظ له في القول لا غير انتهى.

ولا يخفى [٥] اختصاص أغلظ بالقول، وإن أراد أنه عموم فلا صيغة عموم؛ إذ الأفعال مطلقات لا عمومات، وإن أراد قياسًا صحيحًا فليبينه بشروطه المعتبرة.

ثم قال: الدليل الخامس: ما وصف الله به أهل الإسلام من قوله: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} (٣).

وأتى بكلام منمق مسجع يروق السامع، ويأخذ من القلوب بالمجامع، حاصله أن الإيمان شأنه العزة والكفر بضده، فكيف يقر المسلمون على ما فيهم من العزة على حمل


(١) [التوبة: ٧٣]، [التحريم: ٩].
(٢) "القاموس المحيط" (ص ٩٠٠).
(٣) [المائدة: ٥٤].