للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم وفقنا إلى أوضح السبيل، واجعل كتابك المنير لنا خير دليل، وارزقنا فهم معانيه، والوقوف عند أوامره ونواهيه، واللزوم لحدوده، والثبات عند نصوصه، والتوقف عند متشابهه، والتحرز عن القول فيه بالرأي، وأنه وصل من القاضي القطب الرباني محمد بن علي الشوكاني رسالة (١) في معنى إجبار اليهود على التقاط الأزبال، ولقد أجاد وأحسن الانتقاد، واستخرج بذكائه بنات أفكار كواعب أبكار عز اجتلاؤها على العلماء النظار، وخفيت محجاتها عن الأبصار. ولقد دل على طول باع، وكثرة اطلاع، فلله دره والله دره.

ولا شك أن ما ذهب إليه حسن [١] إلا أنه لم ينحل شكال ذلك الإشكال، ولم تنفك تكلم الأقفال، إذ أشكل على بعض من اطلع عليها بعض ما فيها، وما أسند مقدماته إليها، فطلب القاضي بيان ذلك من القاضي - حماه الله وكثر من فوائده - لا قصد الجدال، بل هداية إلى أحسن مثال، وللاجتماع على ما به حل العقال.

قال: الدليل الأول: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (٢) ضرب الله - جل جلاله - لجواز مصالحة الكفار غاية هي إعطاء الجزية، وقيدها بالجملة الحالية وهي قوله: {وهم صاغرون} إشعارا بأن مجرد إعطاء الجزية غير كاف في جواز الموادعة والمصالحة وحقن الدماء، وجعلها اسمية تنبيها على دوام الصغار لهم وثباته كما قرره أئمة البيان إلخ.

أقول: الجملة الاسمية لا شك أنها تدل على الدوام والثبوت إذا كان خبرها اسما، لكن إذا وقعت حالا تصير كالشيء المبتدئ به الذي تجدد وقوعه في تلك الحال، من دون نظر إلى الدوام وعدمه، ولذا قالوا: إنك تقصد في الحال أن صاحبها كان على هذا


(١) الرسالة رقم (١٦٦).
(٢) [التوبة: ٢٩]