للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوصف حال مباشرة الفعل، فهي قيد للفعل، وبيان لكيفية وقوعه، بخلاف النعت، فإن المقصود بيان حصول هذا الوصف لذات المنعوت من غير نظر إلى كونه مباشرا لفعل أو غير مباشر، ولهذا جاز أن يقع الأسود والأبيض، والطويل والقصير، وما أشبه ذلك من الصفات التي لا انتقال فيها نعتا لا حالا.

وأما الدوام فعلا يعتبر هنا، وإن اعتبر فليس مقصودا أولا وبالذات، فإن أريد الدوام هنا بالفعل فهو ممتنع، وإن أريد بالقوة، فلا نزاع كما سيأتي.

قال في دلائل الإعجاز (١): إذا قلت: جاء زيد وهو مسرع، أو وغلامه يسعى بين يديه، أو وسيفه على كتفه كان المعنى أنك بدأت وأثبت المجيء، ثم استأنفت خبرًا، وابتدأت إثباتا ثانيا لما هو مضمون الحال، ولهذا احتيج إلى ما يربط الجملة الثانية بالأولى فجيء بالواو كما جيء بها في نحو: زيد منطلق، وعمرو ذاهب انتهى.

وقال في موضع آخر (٢): إنك إذا قلت: جاء زيد والسيف على كتفه، أو خرج التاج عليه فكان كلاما نافرا لا يكاد يقع في الاستعمال؛ لأنه بمنزلة قولك: جاءني زيد وهو متقلد سيفه، وخرج وهو لابس التاج في أن المعنى على استئناف كلام، وابتداء إثبات، وأنك لم ترد جاءني كذلك، ولكن جاءني وهو كذلك انتهى.

فعرفت من هذا أن المعنى في قوله تعالى: {وهم صاغرون} على استئناف [٢] كلام وابتداء صغار عند إعطاء الجزية من دون نظر إلى الدوام وعدمه، وهو ما فهمه السلف الماضون - رضي الله عنهم - وفهمه إمام البيان والتفسير الزمخشري (٣) رحمه الله تعالى إذ قال: أي تؤخذ منهم الجزية على الصغار والذل، وهو أن يأتي بنفسه ماشيا غير


(١) (ص٢١٤) لأبي بكر الجرجاني.
(٢) أي الجرجاني في "دلائل الإعجاز" (ص ٢٠٢).
(٣) في "الكشاف" (٣/ ٣٢).