للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لحفظ النفس والدين مع أنه لم يقع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إجبار على حفره، ثم إن ندب الناس لحفر الخندق لفائدة عائدة إليهم، فهم يقبلون إليه رهبة للعدو، ورغبة في الجنة، وأي فائدة لليهود من الإجبار على ذلك؟ هل الأجرة في التأجير من شأنه الرضى أم الفائدة لنا فيعملون بلا أجرة سخرية مكرهين، فهل من دليل؟

قال: الدليل الثالث عشر: [١٦]: قد تواترت أدلة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهما واجبان، فإذا لم يتم هذا الواجب إلا بإجبار اليهود فما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه.

أقول: قد قدمنا لك أن نقل الأزبال إلى الأموال لا فرق بينه وبين نقلها إلى الحمام، وأنه لم يمنع من ذلك شرع ولا عرف، وقد رددنا الاستنباطات التي سماها القاضي أدلة كما سمعت، وقال تعالى: {وأمر بالعرف} (١) قال السيوطي: قال ابن الغرس: المعنى اقض بكل ما عرفته النفوس مما لم يرده الشرع، وهذا أصل للقاعدة الفقهية في اعتبار العرف (٢) وتحتها مسائل كثيرة لا تحصى انتهى.

فهذا الذي جعله القاضي - كثر الله من فوائده - منكر معروف حسب هذا التقرير.

قال: الدليل الرابع عشر: أن حفظ الدين أحد الضرورات (٣) الخمس المعروفة في الأصول.

أقول: يستفسر ما أراد بالدين، فإن أراد بالدين الأركان التي بني الإسلام عليها، وأنه لا يتم حفظها إلا بمنع المسلمين عن التقاط الأزبال ممنوع، إذ هي تامة بدون ذلك. وإن أراد بالدين الدين الداخل فيه جميع شعب الإيمان، ومنها المندوب، والمسنون فقد أوجبنا عليه حفظ ما ليس بواجب.


(١) [الأعراف: ١٩٩]
(٢) انظر"الكوكب المنير" (٤/ ٤٤٨) ومجموع الفتاوى (٩/ ١٦ - ١٧).
(٣) تقدم ذكرها.