وليعلم قبل الشروع في الجواب أن التمسك بأذيال أقوال الرجال من غير ربط لها بالأدلة غير نافق في سوق المناظرة، إلا أن يكون ذلك في القواعد التي تبني عليها الأدلة [١]، ومرجعها بالآخرة إلى الرواية لا إلى الرأي، كالاحتجاج بأقوال أئمة النحو والصرف، والبيان، والقواعد الأصولية الراجعة إلى ما هو كذلك.
وأما الاحتجاج بما فهمه البعض منهم من الكتاب أو السنة، أو اجتهد فيه رأيه، فهذا ليس بحجة على أحد، وإلا لزم اجتماع النقيضين، وأنه باطل على أن القول بعدم حجية الإجماع بعد النزاع الطويل في إمكانه، ووقوعه، ونقله، والعلم به هو الراجح عند من لم يخبط بأسواط هيبة الجمهور، وركب في سفره إلى دار ليلى كل عاقر جهور، ولم تطف مصباح إنصافه رياح هذه المذاهب، ولا أعشاب بصيرته قتام تلك المواكب.
قال (١) نفع الله بعلومه: الجملة الاسمية - لا شك - أنها تدل على الدوام والثبوت، إذا كان خبرها اسمًا، لكن إذا وقعت حالًا يصير كالمشي المبتدأ به، الذي تجدد وقوعه في تلك الحال من دون نظر إلى الدوام وعدمه، ولذا قالوا: إنك تقصد في الحال أن صاحبها كان على هذا الوصف حال مباشرة الفعل؛ فهي قيد للفعل. إلى قوله: قال في دلائل الإعجاز.
أقول: نستفسر مولانا فجر الإسلام عن قوله من دون نظر إلى دوام أهل الدوام الشامل لجميع الأوقات مطلقًا، حال وقوع المقيد وقبله، وبعد نقتضيه أم الدوام الخالص بزمن المقيد.
الأول: مسلم، ولا يضرنا ولا ينفعكم؛ لأنا لم ندع في تلك الرسالة دوامًا زائدًا على وقت المقيد، ولكنا دللنا على عدم انفكاك صدق الإعطاء الذي هو المقيد عن صاحب الحال، الذين هم اليهود، لما قررناه من الأمور بموادعتهم حال إعطاء الجزية، ولو كان المعتبر في الموادعة الإعطاء بالفعل لما أتم لأهل الذمة أمان على مرور الأزمان،
(١) يشير إلى الفقيه عبد الله بن عيسى في رسالته رقم (١٦٩).