للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المفسرين فقد أسلفنا ما فيه.

وإن قلتم غير ذلك فما هو؟.

وإن أردتم بالنوع المخصوص هو ما لم يدل دليل على منعه فمسلم، ومحل النزاع لم يمنع مانع منه، وهذا ظاهر قولكم.

فإلزام أعظم أنواع الصغار محتاج إلى دليل.

قلنا: لا تنكرون أن إطلاق الصغار في القرآن يقتضي صدقه على الأعظم، كما يقتضي صدقه على الأوسط، والأحق، فالدليل على جواز ذلك قرآني.

ثم إذا كان الصغار هو الذلة والإهانة فذلك مطلوب للشارع، وما كان أدخل في بابها كان توجه الطلب والقصد إليه أولى، وأما عمل الأمة بغير ذلك فمع كون مجرد العمل بدون قدح في الدليل ولا إنكار، وكون المقام محل خلاف فممنوع، والمسند أن أهل القرى الباقين على أحوال العرب، وأهل المدن الخالية عن أهل الذمة من الأمة. وهل حصل لكم الاستقراء التام في أقطار الأرض بأن الأمة على ذلك العمل؟ عولنا في ذلك عليكم، وأجبنا بما يقدح في حجيته كل إجماع، فكيف بهذا النوع فإن قلتم: إن مثل هذا العمل وإن كان من بعض الأمة لا يخفى على باقيها، فمع كونه قولًا بالظن، وتخمينًا ممنوع، والسند أن ملوك أقطار بأرض الإسلام قد تخفى علينا أسماؤهم وحروبهم، وما هو أشد من ذلك، فكيف لا يخفى مثل هذه القضية وينبغي أن تمعنوا النظر في أصل تذكرة هاهنا ربما أفاد، وهو أن المسلمين بأسرهم أجمعوا (١) على نجاسة العذرة، وتحريم التلوث بها، وأنه منكر يجب اجتنابه، والنكير على ملابسته، ففعل هؤلاء المسلمين محرم بالإجماع، ومنكر بلا نزاع، وتقرير من قررهم لا يكون مخصصًا لهذا الدليل، واحتجاجكم بتسميد الأرض يستحي، الكلام عليه حينئذ وجب عليكم الإنكار على أولئك المسلمين، ومنعهم بدليل إجماعي أنهض من الدليل الذي ذكرتم.


(١) انظر "فتح الباري" (٤/ ٤١٤ - ٤١٧).