بتخليصه من هذه الورطة التي لا ذلة أعظم منها أمر ترغب إليه النفوس، ولو سلم أن ثم مدعيًا يدعي العموم في الآية لما كان ما ذكرتم هنا موجبًا للمنع من ذلك؛ لعدم حصر العزة في المذكور بعدها.
قال: فقد تكون الضرورة ألجأته إلى العمل بالأجرة فيما يسد خلته إلخ.
أقول: هل سدت طرق المكاسب على هؤلاء؟ أم غلقت دونهم، أبواب المعايش؟ أم طردهم الناس عن جميع المهن؟ حتى يقال أنهم مضطرون إلى الأجرة من هذه الخصلة اضطرارهم إلى أكل الميتة، وهل عدمت المعاول أم فقدت المكاتل؟!. أم منعوا من نقل الصخور؟ أم ما هو الذي ألجأهم إلى ذلك؟ وأحوجهم إلى ما هنالك؟.
ولو فتحنا هذه الباب، واقتحمنا هذا الاقتحام لقلنا، وكذلك المعتادون للاحتراف بالغناء والمزاهر، والمعازف، ربما ألجتهم الضرورة إلى ذلك، بل هذا أخف من ذلك، لما اشتهر من اختلاف الأدلة والأقوال فيه، بخلاف الاحتراف بمباشرة العذرة حال رطوبتها فإنه محرم بالإجماع، مع ما ينضاف إليه من البيع لها، الذي هو من المحرمات. فما أشبه تقرير هؤلاء بتقرير بائع الخمر على بيعه! والاعتذار عن ذلك بأنه ربما ألجته الضرورة إليه كما يجوز إذا ألجت الضرورة إلى أكل الميتة، لاستواء الخمر، ومباشرة هذه النجاسة كالإجماع على الحرمة، وكذلك على البيع، إلا عن قليل من أهل العلم، على أن العذرة أشد من حيثية النجاسة للإجماع (١) على نجاستها، والاختلاف في نجاسة الخمر، بل الحق عند من أنصف عدم نجاسة الخمر [١٨]؛ فجهة الاستواء هي التحريم لا النجاسة.