للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

إياك نعبد وإياك نستعين. أحمدك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآله وصحبه.

وبعد ..

فإنه قد استدل القائلون بجواز الاستعانة من خالص أموال الرعية بأدلة منها: قوله سبحانه: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (١) وقد أجيب عن هذا الاستدلال بهذه الآية بالمنع من دلالتها على الوجوب؛ لقوله في أولها: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} فإن ذلك لا يستفاد منه إلا مجرد الندب، وكذلك أن قوله في آخر الآية: {ذلك خير لكم} يدل أبلغ دلالة على عدم الوجوب، وأجيب عن الأول بأنه - سبحانه - قرن ذلك بالإيمان وبالجهاد بالنفس، وهما واجبان إجماعًا، فيجب الجهاد بالمال كوجوبهما، ورد هذا الجواب بأن دلالة الاقتران (٢) ليست بحجة كما تقرر في الأصول؛ لكثرة اقتران الواجب


(١) [الصف: ١٠ - ١١].
(٢) أنكرها الجمهور فقالوا: القران في النظم لا يوجب القران في الحكم.
وصورته: أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين، كل منهما مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، بلفظ يقتضي الوجوب في الجميع أو العموم في الجميع، ولا مشاركة بينهما في العلة، ولم يدل دليل على التسوية بينهما.
واحتج المثبتون لها بأن العطف يقتضي المشاركة، وأجاب الجمهور بأن الشركة إنما تكون في المتعاطفات الناقصة المحتاجة إلى ما تتم به، فإذا تمت بنفسها فلا مشاركة كما في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: ٢٩]، فإن الجملة الثابتة معطوفة على الأول ولا تشاركها في الرسالة، ونحو ذلك في القرآن والسنة كثير، والأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه ولا يشاركه غيره فيه، فمن ادعى خلاف هذا في بعض المواضع فلدليل خارجي.
انظر تفصيل ذلك في "إرشاد الفحول" (ص ٨١٠ - ٨١٢)، "البحر المحيط" (٦/ ١٠٠ - ١٠٣)، "التبصرة" (ص ٢٣٠).