للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما ليس بواجب، كما في قوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (١) فقرن ما بين الإيمان الذي هو أعظم الواجبات، وبين الحض على طعام المسكين الذي ليس بواجب، مع ما في أول هذه الآية من الوعيد الشديد، وعلى تسليم الدلالة على المطلوب في أنه الجهاد فليس في ذلك أنه يجب على المجاهد بنفسه أن يخرج قطعة من ماله ليتجهز بها غيره، بل غاية ما يجب عليه تجهيز نفسه بما يحتاج إليه. وأما تجهيز غيره بعد تجهيزه لنفسه فليس ذلك بواجب شرعًا، بل مندوب فقط.

ثم لو سلمنا أنه يجب على من كثر ماله، وتمكن من زيادة على تجهيزه لنفسه وما يحتاج إليه من يعوله لكان أمر ذلك يدفعه إلى من يشاء من المجاهدين، وليس عليه أن يدفعه إلى السلطان. ولو كان ذلك من الواجبات الشرعية لأوجبه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - على أهل الأموال. ولم يثبت من وجه صحيح أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أوجب على أحد من الصحابة [١ أ] أن يجهز غازيًا، أو أكثر أو أقل، بل غاية ما وقع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هو الترغيب (٢)، وأن ذلك من أعظم


(١) [الحاقة: ٣٠ - ٣٤].
(٢) منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٨٤٣) ومسلم رقم (١٨٩٥) وأبو داود رقم (٢٥٠٩) والترمذي رقم (١٦٢٨) والنسائي (٦/ ٤٦) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا".
ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٨٤١) ومسلم رقم (١٠٢٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة - كل خزنة باب - أي قل هلم، قال أبو بكر: يا رسول الله، ذاك الذي لا توى عليه، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأرجو أن تكون منهم".
ومنها: ما أخرجه النسائي (٦/ ٤٩) والترمذي رقم (١٦٢٥) وابن حبان رقم (٤٦٢٨) والحاكم (٢/ ٨٧) من حديث خريم بن قاتك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف". وهو حديث صحيح.