للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موجبات الأجور، ومن أكبر أسباب المثوبة. ومع هذا فتلك الترغيبات ليس فيها أنهم يدفعون تلك الأموال إليه حتى يجهز بها الغزاة، بل غاية ما في ذلك [أنه] (١) رغبهم في أن يجهزوا [أنفسهم] (٢) ثم بعد هذا كله لا يخفى عليك أن هذه الآية في خصوص الجهاد لمثل من كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يجاهده فإلحاق غير الجهاد به، أو إلحاق جهاد غير الكفار بالجهاد للكفار إن كان بطريق القياس فهو من قياس المخفف على المغلظ، وإن كان بغير القياس فما هو؟.

واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} (٣).

ويجاب عن هذا الاستدلال بأن غاية ما في الآية الأمر بالمسارعة إلى ما يوجب المغفرة، والمسارعة إلى ما يوجب الجنة المعدة للمتقين. ثم لو سلم أن الأمر بالمسارعة إلى ذلك أمر بالأسباب الموجبة للمغفرة والجنة لكان آخر الآية وهو قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (٤) واجبًا، واللازم باطل فالملزوم مثله. ولكانت الأقوال والأفعال الصالحة التي ليست بواجبة واجبة؛ لأنها من الأسباب الموجبة لذلك بلا شك ولا شبهة كصدقة النافلة، وصلاة النافلة، والأذكار المرغب فيها ونحو ذلك، واللازم باطل فالملزوم مثله.

ثم على تسليم الدلالة تنزلًا فغاية ما في ذلك مشروعية الإنفاق في السراء والضراء من صاحب المال، فما الدليل الدال على أنه يجب عليه أن يدفع ذلك إلى السلطان؟ بل ينفق ماله في أي وجه من وجوه الخير كائنًا ما كان، ومن فعل ذلك فقد سارع وفعل ما


(١) في المخطوط أنهم، والصواب ما أثبتناه.
(٢) في المخطوط بأنفسهم، والصواب ما أثبتناه.
(٣) [آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤].
(٤) [آل عمران: ١٣٤].