للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندبه الله إليه، فالرجل الذي أنفق بعضًا من ماله في الفقراء، أو في صلة الأرحام، أو في سائر القرب المقربة إلى الله - سبحانه - قد امتثل ما ندبه الله إليه في هذه الآية، وإن لم ينفقه في الجهاد، ومن قال إنه لا يكون ممتثلًا إلا بالإنفاق في الجهاد فقد أوجب عليه ما لم تدل عليه هذه الآية [١ ب].

واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (١).

وبقوله - سبحانه -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} ... الآية} (٢).

والجواب عن الآية الأولى كالجواب عن الآية المذكورة قبلها.

والجواب عن الآية الثانية أنه ليس فيها إلا الترغيب لأهل الأموال أن ينفقوها في سبيل الله بأنفسهم على حسب اختيارهم، وليس فيها ما يدل على إيجاب ذلك عليهم، وهذا لا شك فيه.

واستدلوا أيضًا بقوله: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (٣) وهذه الآية ليس فيها ما يدل على الوجوب، وأيضًا لو سلم أن فيها دلالة فغاية ذلك الإنفاق في سبل الخير كائنة ما كانت، فمن أنفق في شيء منها فقد فاز بما ندبه إليه الشارع، ونال البر بذلك ومن قال: إنه لا ينال البر إلا بالإنفاق في خصلة خاصة وقربة معينة فقد ألزم العباد بما لا تدل عليه الآية.

وهكذا الجواب عما استدلوا به من مثل قوله سبحانه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (٤)


(١) [البقرة: ٢٥٤].
(٢) [البقرة: ٢٦١].
(٣) [آل عمران: ٩٢].
(٤) [آل عمران: ١٨٠].