للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحصل بالإنفاق في وجه من وجوه الخير كائنًا ما كان؛ لأنه من سبيل الله.

هذا على فرض أن الأمر هاهنا للوجوب، وليس كذلك، فإن قوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (١) يدل على أن ذلك مندوب، وإلا لكان كل إحسان واجبا، واللازم باطل فالملزوم مثله. ولا ريب أن المندوبات بأسرها هي من الإحسان، ومع هذا فإن الآية وردت لسبب خاص، أخرج أبو داود (٢) عن أبي أيوب الأنصاري قال: "إنما نزلت هذه فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [٤ أ]- قلنا: هل نقيم في أموالنا ونصلحها؟ فأنزل الله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ... الحديث". فهي للحث (٣) لهم على الجهاد لما عزموا على الإقامة في أموالهم وإصلاحها.

ومع هذا فهذه الآيات التي ذكروها المشتملة على الأمر بالإنفاق والترغيب فيه لو سلمنا دلالتها على المطلوب لكان ذلك الإنفاق هو ما بينه الله - سبحانه - في قوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قال العفو} (٤) والعفو هو الشيء الفاضل الذي لم يكن لصاحبه به حاجة، ولكن هذا ما ثبت في ............................


(١) [البقرة: ١٩٥].
(٢) في "السنن" رقم (٢٩٧٦). وهو حديث صحيح.
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (٢٩٧٢) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (١١٠٢٩).
(٣) قال ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٣٠): ومضمون الآية: الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم، والإخبار عن ترك ذلك بأنه هلاك ودمار وإن لزمه واعتاده، ثم عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة فقال: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (٤٥١٦) عن حذيفة: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال: نزلت في النفقة.
(٤) [البقرة: ٢١٩].