للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم.

واستدلوا أيضًا بقوله - سبحانه -: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (١) وهذا فيه الأمر للمسلمين بإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، فكل واحد منهم يعد ما يحتاج إليه فيه من سلاح ومركوب ونحو ذلك حسب طاقته [٣ ب]، وما تبلغ إلى قدرته، ومن زاد الله في حسناته، وليس النزاع في هذا، إنما النزاع في أخذ شيء من أموال الرعايا زيادة على ما فرضه الله عليهم في أموالهم، يأخذه السلطان طوعًا أو كرهًا، رضوا أم أبوا، وقد يأخذون ذلك في جهادات لا تأتي للرعية بنفع، بل فيها عليهم أعظم الضرر كما يقع بين سلاطين الإسلام من الحروب على بعض البلاد، هذا يريد أن تكون الولاية فيها له، والآخر يريد أن تكون الولاية فيها له فإن هذا ليس هو من الجهاد الذي شرعه الله وندب عباده إليه، بل هو شبيه بالحروب الجاهلية.

وكثيرًا ما يقتل أجناد هؤلاء ضعفاء الرعايا، ويأخذون أموالهم، ويهتكون حريمهم، ويتفق بينهم معارك جاهلية، وقتلات طاغوتية، فليس هذا إلا من الظلم البحت، والجور الخالص، فكيف إذا ضم إلى ذلك ظلم الرعايا بأخذ أموالهم المحرمة بحرمة الإسلام، المعصومة بعصمة الدين، ثم بعد أخذ أموال الرعايا يكرهونهم على القتال، ويجمعون لهم بين غرم المال والبدن، ويعرضونهم للجنود الظالمة يأخذون ما بقي في أيديهم، ويسخرون أبدانهم فيما يريدون، كأنهم ليسوا من بني آدم، ولا ممن حرم الله دمه وماله وعرضه.

واستدلوا بقوله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (٢) وليس فيه إلا مجرد الإنفاق في سبيل الله، والامتثال


(١) [الأنفال: ٦٠].
(٢) [البقرة: ١٩٥].