عتبة زوجة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي أولادها، فكان ذلك دليلًا على وجوب ذلك.
وأما الإنفاق [٣ أ] في الجهاد فقد جعل الله في بيت مال المسلمين الذي هو في الحقيقة مجموع من الأموال التي هي للمسلمين كالفيء والخراج والجزية والمعاملة، وسائر ما يؤخذ من أموال المسلمين من خمس أو عشر أو نصف عشر للجهاد نصيبًا، فإن لم يكن لهم بيت مال فقد أوجب الله عليهم مجاهدة الكفار بالأنفس والأموال، يجاهد كل منهم بنفسه وماله على حسب ما تبلغ إليه طاقته، ويقدم نفسه أولًا، فإذا أراد الاستزادة من الخير جهز من المجاهدين من أراد تجهيزه هذا معنى الجهاد المذكور في الآية، وهو الذي كان عليه عمل الصحابة في عصر النبوة، ولما فتح الله بالخير في أواخر أيام النبوة قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فيما صح عنه:"أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا فإلي وعلي"(١) ثم هكذا كان الأمر في عصر الصحابة بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثم عصر التابعين وتابعيهم لم يسمع في هذه العصور التي هي خير القرون أنهم أكرهوا أحدًا على إخراج ماله إلى يد السلطان أو نائبه، بل كان المجاهدون في تلك العصور طائفتين؛ طائفة مرتزقة أي مرتزقة من بيت مال المسلمين وهم جند السلطان، وطائفة متطوعة يخرجون للجهاد ويتجهزون له من أموالهم من غير أن يأمرهم السلطان بالخروج أو يكرههم عليه، وهكذا كان الأمر في العصور
(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٢٩٨، ٢٣٩٨، ٢٣٩٩، ٤٧٨١، ٥٣٧١، ٦٧٣١، ٦٧٤٥، ٦٧٦٣) ومسلم في صحيحه رقم (١٤، ١٥، ١٦، ١٧/ ١٦١٩)، والترمذي رقم (١٠٧٠) والنسائي (٤/ ٦٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.