للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (١) وليس في هذه الآية ما يفيد وجوب الإنفاق من خالص المال في نوع خاص، بل من أنفق في سبيل الله فقد امتثل، والمراد بسبيل الله كل ما فيه بر وثواب كائنًا ما كان. وعلى تسليم الدلالة فذلك أمر مفوض إلى رب المال يضعه حيث يشاء، وكيف يشاء، وفي من يشاء، فما الدليل على أنه يدفعه إلى السلطان؟ ولو كان ذلك جائزًا لكان أولى الناس به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ولم يثبت أنه أكره أحدًا من أرباب الأموال في عصره على دفع شيء من ماله، ولا قبض ذلك منه، وليس في القرآن إلا الأمر للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بأن يأخذ الصدقة الواجبة كما في قوله: {خذ من أموالهم صدقة} (٢) ولو كان مطلق الإنفاق الخارج عن الصدقة الواجبة واجبًا لكان الحمل على هذا الواجب والإكراه عليه واجبًا كسائر الواجبات الشرعية، فلما لم يحصل ذلك منه كما حصل في الزكاة المفروضة حيث قال: "فإنا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا" (٣) دل ذلك على أنه لا وجوب لما عدا ذلك إلا بدليل يخصه كالإنفاق على الزوجات بلا خلاف في ذلك، وعلى بعض القرابة كالأبوين والأولاد الصغار على خلاف في ذلك، ولكنه قد أذن (٤) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لهند بنت


(١) [محمد: ٣٨].
(٢) [التوبة: ١٠٣].
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٢ - ٤) وأبو داود رقم (١٥٧٥) والنسائي (٥/ ١٥ - ١٦ رقم ٢٤٤٤) والحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٩٨) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي (٤/ ١٠٥) والدارمي (١/ ٣٩٦) وابن أبي شيبة (٣/ ١٢٢) والطبراني في "الكبير" (١٩/ ٤١١ رقم ٩٨٤ - ٩٨٨) عبد الرزاق رقم (٦٨٢٤) وابن خزيمة (٤/ ١٨ رقم ٢٢٤٦). من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
وهو حديث حسن.
(٤) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (٥٣٦٤) ومسلم رقم (١٧١٤) عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بنيك".
وقد تقدمت مناقشة الحديث والتعليق عليه.