للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الترغيب في الصدقات تارة بلفظ الأمر، وتارة بما يدل على أعظم ترغيب بترتيب الأجور الكثيرة عليه، والأجزية الفاضلة على فعله، ولم يقل أحد من الناس أنه يجب على أحد أن يتصدق [٤ ب] بشيء من ماله. ولا فرق بين الأمر بالإنفاق، والأمر بالصدقة، فإذا قال قائل لغيره: تصدق من مالك كان كقوله: أنفق من مالك، وإذا قال القائل لغيره: أنفق من مالك كان كقوله: تصدق من مالك، لا فرق بينهما. فدعوى وجوب الإنفاق بالآيات التي فيها الأمر به يستلزم القول بوجوب الصدقة في الآيات التي فيها الأمر بها، واللازم باطل فالملزوم مثله.

فإن قال قائل: الأوامر بالصدقة قد اقترنت بما يصرفها عن الوجوب.

قلنا: وكذلك الأوامر بالنفقة قد اقترنت بما يصرفها عن الوجوب، بل كل ما جعل صارفًا للأوامر بالصدقة فهو صارف للأوامر بالإنفاق لما ذكرناه هاهنا، ولا نخرج من ذلك إلا ما دل عليه دليل يفيد إيجابه على طريقة الخصوص كما قدمنا الإشارة إلى ذلك.

وبهذا يتضح لك أن الاستدلال بآيات الإنفاق على وجوب إخراج جزء من المال في الجهاد فوق ما يتجهز به المجاهد مصادرة على المطلوب؛ لأنه استدلال بمحل النزاع، وبموضع الخلاف. ثم هذا النوع الخاص لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنه ألزم أحدًا من الصحابة به على طريقة الحتم والجزم، ولا ورد ذلك في حديث صحيح ولا حسن، بل كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يرغب في ذلك بمثل قوله: "من جهز غازيًا كان له مثل أجره" (١)، "ومن جهز غازيًا فقد غزا" (٢) فما أحق الإمام الفاضل، والسلطان العادل أن يسلك هذا المسلك النبوي إذا احتاج إلى تجهيز الغزاة!


(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٨٩٦) وأبو داود رقم (٢٥١٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
(٢) أخرجه الترمذي رقم (١٦٢٩) وابن ماجه رقم (٢٧٥٩) وابن حبان في صحيحه رقم (٤٦١١) من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.