العباد، مستدلًّا على ذلك بما تقدم من الآيات التي ذكر فيها الأمر بالإنفاق، والترغيب فيه، قائلًا هذا الإنفاق من جملة ما يدخل تحت هذه الأيات، وتصدق عليه. فهل يقول هؤلاء المستدلون بها على تلك الاستعانة التي استدلوا بها عليها أن هذا الاستدلال صحيح، وأن الذي فعله ذلك الذي له سلطان، وأمر به صواب، أم يقولون هو خطأ وظلم وتصرف في مال الغير بما لم يأذن الله به؟ فإن قالوا بالأول فقد خالفوا إجماع المسلمين أجمعين، وجوزوا ما لم يجوزه أحد من سلف هذه الأمة وخلفها.
وإن قالوا بالثاني، قيل لهم فما الفرق بين ما ذهبتم إليه وألزمتم به الرعايا طوعًا أو كرهًا، وبين ما فعله هذا الرجل الذي له سلطان؟ فإن ما فعله وأمر به مما يصدق عليه آيات الإنفاق التي استدللتم بها ولا تجدون إلى دفع هذا سبيلًا.
فإن قلتم: بعض أنواع الإنفاق أولى من بعض، وأكثر ثوابًا، وأعظم نفعًا.
قلنا لكم: هذه الأولوية والأكثرية والأعظمية ممنوعة، ثم لو سلمنا ذلك بعد تسليمكم أن تلك الآيات تدخل تحتها ما فعله ذلك الذي له سلطان وأمر به، وما فعلتموه أنتم وأمرتم به، فما الدليل الدال على تعين فرد من الأفراد المرادة بذلك الدليل العام؟ مع أنه صدق على من فعل فردًا أو أفرادًا غير ما أردتم وطلبتم أنه قد امتثل ما أمره الله به وندبه إليه، ثم نقول زيادة إيضاح: لم قدمنا لك أنه لا دلالة لما استدلوا به على مطلوبهم، وهو الوجوب، ثم لا دلالة له على أن الفرد الذي أرادوه هو المراد من الآيات دون غيره.
فإن قالوا: هو أحد المرادات من الآيات. لم يتم الاستدلال، ثم بعد هذا كله لا دليل فيما استدلوا به على أنه يجب [٦ أ] على رب المال أن يدفع ذلك الذي طلب منه إلى يد السلطان حتى يجهز به من أراد، بل ذلك هو إلى رب المال يجهز به من أراد، ويصرفه فيمن يختار من غير إكراه ولا إجبار.
وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والله ولي التوفيق.