للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مندوب، أو فعل مكروه كراهة تنزيه، أو فعل مباح أو تركه، فلم يبق إلا فعل المحرم أو ترك الواجب. وتصوير الصور من فعل المحرم، فكان التصوير محرمًا.

المسألة الثالثة: قوله - كثر الله فوائده -: وبعد الحمل على أحدهما، فهل النهي عن تصوير بعض الأشياء دون بعض أو لا؟.

وأقول: قد قدمنا ما يدل على أن ذلك مختص بتصوير الحيوانات فقط، فمن ذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس المتفق عليه (١) "فإن كنت لا


(١) تقدم تخريجه.
فائدة رقم (١):
١ - معنى التصوير لغة: الصور جمع صورة وتجمع على تصاوير وهي بكسر الصاد وضمها وقيل أنها مثلثة الصاد.
وهي الشكل، والخط والرسم.
"اللسان" (٢/ ٤٩٢)، "القاموس" (ص ٣٧٣).
والتصوير يطلق على التخطيط، والتشكيل يقال: صوره، إذا جعل له صورة، وشكلاً، أو نقشًا معينًا، وهذا الاستعمال والإطلاق عام في الصورة المجسمة وغيرها، فالكل يطلق عليه صورة من حيث الاستعمال اللغوي.
"معجم الفقهاء" (ص ٢٧٨).
وجاء في "معجم الفقهاء" (ص ٢٧٨): الصورة "شكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى مجسمة كانت كالصنم، أو غير مجسمة".
معنى التصوير في الاصطلاح: بما أن التصوير ليس نوعًا واحدًا، بل هو جنس يشمل أنواع ثلاثة، كل نوع يختلف عن غيره من حيث الوسيلة ومن حيث المادة التي تصنع منها الصورة، ومن حيث الكيفية، وبسبب هذا الاختلاف لا يمكن جمع هذه الأنواع في تعريف واحد من حيث الاصطلاح الفقهي وذلك لأن التصوير منه المجسم، والمسطح، والقديم، والحديث مع الاختلاف في وسائل كل نوع وآلاته.
(أ): النوع الأول: التصوير المجسم: "أن الصورة الجسمية هي جوهر متصل بسيط لا وجود لمحله دونه قابل للأبعاد الثلاثة المدركة من الجسم في بادئ النظر والجوهر الممتد في الأبعاد كلها المدرك في بادئ النظر بالحس، وهذا ما يعرف بذوات الظل من المجسمات، التي تتميز عن غيرها بأن لها طولاً وعرضًا، وعمقًا، ويكون لها جسم بحيث تكون أعضاؤها نافرة وبارزة تشغل حيزًا من الفراغ، وتتميز باللمس بالإضافة إلى تميزها بالنظر فيكون عند النظر إلى هذا النوع من الصور كالمخلوق ... ".
وهذا النوع من الصور قد تصنع من جبس أو نحاس أو حديد أو خشب أو حجر أو غير ذلك مما له جرم ومحسوس.
انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص ٦٥)، "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصفهاني (ص ١٩٦).
(ب): النوع الثاني: التصوير اليدوي:
وقد عرف بأنه "من تمثيل الأشخاص، والأشياء بالألوان".
وجاء في "المعجم الوسيط" (ص ٥٢٨): التصوير اليدوي غير المجسم: "أنه نقش صورة الأشياء، أو الأشخاص، على لوح، أو حائط، أو نحوهما بالقلم، أو بالفرجون أو بآلة التصوير".
(جـ): النوع الثالث: التصوير الضوئي "الفوتوغرافي" وهو آلة تنقل صور الأشياء بانبعاث أشعة ضوئية من الأشياء التي تسقط على عدسة في جزئها الأمامي، ومن ثم إلى شريط أو زجاج حساس في جزئها الخلفي، فتطبع عليه الصورة بتأثير الضوء فيه تأثيرًا كيماويًا".
"المعجم الوسيط" (ص ٥٢٨).
فائدة رقم (٢): الألفاظ ذات الصلة بالتصوير:
١ - التمثال: هو اسم للشيء المصنوع، مشبهًا بخلق من خلق الله حيوانًا كان أو جمادًا.
انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٤٠١).
٢ - الرسم: وهو تمثيل الأشياء، والأشخاص بالألوان يدويًا.
"المعجم الوسيط" (ص ٣٤٥).
والمشهور في عرف الناس إطلاق لفظ "الرسم" على ما يوافق إطلاقه اللغوي وهو استعماله في تصوير الصور المسطحة باليد دون الصور المجسمة من ذوات الظل أو الآلية ومن ذلك: الرسوم المتحركة وهي التي كانت ترسم يدويًا. ثم تجمع وترتب لها الأصوات والحركات.
٣ - النحت: ويطلق على تقطيع الخشب، والجبال.
قال تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين} [الشعراء: ١٤٩]. ويطلق ويراد به النشر والقشر.
والنحت في الاصطلاح: هو الأخذ من كتلة صلبة كالخشب والحجر بأداة حادة كالإزميل، أو السكين، حتى يكون ما يبقى منها على الشكل المطلوب، فإن كان ما بقي يمثل شيئًا آخر فهو تمثال أو صورة وإلا فلا".
"المعجم الوسيط" (ص ٩٠٦).
٤ - النقش والرقم والتزويق والوشي:
- النقش: هو تلوين الشيء بلونين أو بألوان".
وقال في "معجم الفقهاء" (ص ٤٨٦): النقش بفتح فسكون، من نقش، وجمعه نقوش، ما يرسم أو يطرز من الرسوم على الأشياء.
الرقم: لغة: التخطيط يقال: ثوب مرقوم ومرقم أي مخطط.
واصطلاحًا: يطلق على كل رسم لا ظل له، وذلك كالتطريز على الثوب، والورق ونحو ذلك، سواء كان التطريز بالقلم، أو بفرشة أو أي آلة من آلات الرسم، أو الكتابة، وسواء كان التطريز كتابة أو خطوطًا فقط أو كان صورًا منقوشة مسطحة.
التزويق: يطلق ويراد به التحسين.
وأصل الزاووق: نوع من الدهن يخلط مع الذهب ويدهن به الشيء المراد تزيينه وتحسينه، فإذا وضع في النار ذهب "الزاووق" وبقي الذهب صافيًا حسنًا. ثم توسعوا في استعماله حتى أطلقوا على كل منقش ومزين، ومحسن وإن لم يكن فيه زاووق، فلم يقتصر فيه على جعل الزاووق مع الذهب وطلي الشيء المراد تزيينه وتحسينه، بل تدرج بهم الاستعمال إلى أن أطلقوه بعد على التصاوير المنقوشة والمرسومة باليد.
"القاموس" (ص ١١٥١). "معجم مقاييس اللغة" (٦/ ١١٤).
الوشي: يطلق ويراد به التزيين، والتحسين، والتنقيش، ويطلق على الألوان.
قال في "اللسان" (٣/ ٩٣٤): وشى الثوب وشيًا وشيه: حسنه، ووشاه نمقه ونقشه وحسنه ... ".
فائدة رقم (٣) علل تحريم التصوير:
١ - في التصوير من المضاهاة لخلق الله تعالى، وتشبيه فعل المخلوق بفعل الخالق سبحانه، فمن صور شيئًا من ذوات الروح فقد وقع في المضاهاة المنهي عنها بمجرد انتهائه من صناعتها، سواء كانت الصورة ممن ذوات الظل أو غير ذوات الظل.
(أ): إذا أراد بفعله: التكسب المادي، أو التسلي، أو غير ذلك من الأغراض التي لا يقصد من ورائها الإبداع وإظهار القدرة البشرية على أنها تشابه قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
فهذا الصنيع المجرد عن قصد المضاهاة يعد محرمًا وكبيرة من كبائر الذنوب ولكنه لا يبلغ بصاحبه إلى حد الكفر.
وقد تقدم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون".
(ب): أما من صنع الصورة بقصد محاكاة فعل الخالق بفعله فإنه يكون بهذا القصد كافرًا.
وقد تقدم الحديث: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون الذين يضاهون خلق الله ... ".
انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٣٩٧)، "مغني المحتاج" (٣/ ٢٤٧ - ٢٤٨).
٢ - كون تصوير ذوات الأرواح وسيلة إلى الغلو فيها من دون الله تعالى، وربما جر ذلك إلى عبادة تلك الصورة، وتعظيمها، وسيما إن كانت الصورة لمن يحبهم الناس ويعظمونهم سواء كان ذلك تعظيم علم وديانة، أو تعظيم سلطان ورئاسة أو تعظيم صداقة وقرابة.
أخرج البخاري في صحيحه رقم (٤٩٢٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابًا، وسموهم بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت".
٣ - أن صناعة صور ذوات الروح المحرمة واتخاذها فيه تشبه بفعل من كانوا يصنعون الصور والتماثيل ويعبدونها من دون الله تعالى. سواء كان المصور قاصدًا التشبه بأولئك أم لا، فمجرد صناعته للصورة أو استعمالها على وجه محرم بنصب، أو تعليق أو نحو ذلك يكون حاله شبيهًا بحال المشركين ومقلديهم الذين كانوا يصنعون الصور، ويضعونها في معابدهم، أو بيوتهم تقديسًا وتعظيمًا لها.
هذا إن لم يكن للمصور قصد في التشبه، أما إذا كان قاصدًا التشبه فإن إثمه أعظم وذنبه أشد وأكبر ربما وصل به إلى الكفر بالله تعالى.
انظر: "إغاثة اللهفان" (٢/ ٣٢٢ - ٣٤٠)، "مغني المحتاج" (٣/ ٢٤٧).
٤ - كون صور ذوات الروح مانعة من دخول الملائكة إلى مكان وجودها وقد ورد هذا التعليل في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة". تقدم تخريجه.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٩) بتحقيقنا.
٥ - ويعلل بعضهم لتحريم الصور صناعة واستخدامًا: بالنهي عن إضاعة المال وتبذيره، وأن الإنسان مسئول عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وإنفاق المال في التصوير والصور مما لا ضرورة إليه ولا مصلحة تترتب عليه فيه إسراف، وتبذير، وإن كان قليلاً، لأن إنفاقه في غير محله، فأيما درهم أنفق في غير محله فهو إسراف ومجاوزة لحد الإنفاق المباح. فكما أن التقتير تضييق ونقص في الإنفاق، فالإسراف زيادة ومجاوزة للحد في الإنفاق، وكلاهما منهي عنه بقوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: ٦٧].
فائدة رقم (٤): من أحكام التصوير:
١ - حكم صناعة صور المصنوعات البشرية وتحسينها: والمراد بالمصنوعات البشرية كل ما يكون ليد المخلوق فيه تأثير، وتغيير وصناعة، والصناعة إجادة الفعل وإتقانه ويشمل كل المنتوجات والمصنوعات كالطائرات، والسيارات والسفن البحرية وجميع الآلات الميكانيكية بشتى أنواعها، وكذلك يشمل بنيان الدور، والمصانع ونحوهما مما لم يذكر هنا. وإن كان أصل المادة مخلوقًا لله سبحانه وتعالى، كما بين الله ذلك بقوله جل ذكره.
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: ٢٩].
الرأي الراجح: وهو الجواز ذهب إليه جماهير العلماء ومن أدلتهم.
١ - ): ما تقدم من حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم" ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له".
٢ - ): حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال فليقطع، ومر بالستر فيقطع فيجعل منه وسادتين منبوذين".
٣ - ): وما أخرجه البخاري رقم (٥٩٦١) ومسلم رقم (٩٧) من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة النمرقة التي فيها تصاوير حيث قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" تقدم تخريجه.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٩)، "فتح الباري" (١٠/ ٤٠٩).
- حكم صناعة المخلوقات الكونية:
المراد بالمخلوقات الكونية في هذا المطلب: كل ما كان باقيًا على هيئته وخلقته التي خلقه الله عليها من المخلوقات الجامدة والتي لا يمكن أن يكون ليد المخلوق فيه أي تعديل، أو تغيير، أو صناعة وذلك مثل صورة الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والبحار، والأنهار والأودية.
الراجح: جواز تصوير سائر المخلوقات الكونية ومن أدلتهم: حديث أبي هريرة والذي فيه قول جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع، فيصير كهيئة الشجرة ... ".
فالشاهد من الحديث: هو قول جبريل عليه السلام: "فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع كهيئة الشجرة ... ".
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٢٩/ ٣٧٠): "فيجوز تصوير الشجر والمعادن في الثياب، والحيطان، ونحو ذلك لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ"، ولهذا قال ابن عباس لمن استفتاه "صور الشجرة، ومالا روح فيه" - تقدم تخريجه وفيه: " ما لا نفس له ". ولعل ابن تيمية ذكر المعنى - وفي "السنن" عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جبريل قال له في الصورة: "فمر بالرأس فليقطع ... " ولهذا نص الأئمة على ذلك وقالوا: الصورة هي الرأس لا يبقى فيها روح فيبقى مثل الجمادات".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١٠/ ٣٩٤): قوله: "من صور صورة في الدنيا" كذا أطلق وظاهره التعميم، فيتناول صورة ما لا روح فيه، لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله: "كلف أن ينفخ فيها الروح" فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر.
٣ - حكم صناعة صور غير ذوات الأرواح من الأجسام النامية:
الراجح: جواز صناعة صور الأشجار والزروع وسائر النباتات مثمرة وغير مثمرة. وإلى هذا ذهب جماهير العلماء وفي مقدمتهم: أصحاب المذاهب الأربعة سواء كانت تلك الصور مجسمة أو مسطحة، ويدخل في ذلك جواز صناعة الصور المذكورة بالآلات الحديثة.
ودليلهم ... ما تقدم من حديث أبي هريرة وقول جبريل: "فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة".
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما وقوله لمن سأله: "فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له ... ".
٤ - حكم صناعة التماثيل الكاملة مما يبقى، ويدوم طويلاً:
والراجح: تحريم صناعة التماثيل المجسمة لذوات الأرواح مطلقًا ما عدا لعب الأطفال فقط.
وهذا قول جماهير العلماء قاطبة.
من أدلتهم:
١ - ) قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} إلى قوله تعالى: {لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} [الأنبياء: ٥١ - ٥٤].
٢ - ) قال تعالى: {أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: ٩٥ - ٩٦].
وانظر الآيات من سورة الأعراف (١٣٨ - ١٣٩) وفيها. {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ... }.
٣ - ) ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٢٨٧) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبًا فجعل يطعنها بعود في يده وهو يقول: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا}.
انظر: مزيد تفصيل في فتح الباري (٧/ ٦١٠)، "إغاثة اللهفان" (٢/ ٤٠٨).
٥ - حكم صناعة التماثيل الكاملة مما لا يدوم طويلاً:
والمراد بالتماثيل التي لا تبقى وتدوم طويلاً، ما يصنع من مواد غير قابلة للبقاء لفترات طويلة، وذلك مثل ما يصنع من الطين، والحلوى، والعجين، وقشر البطيخ ونحو ذلك.
والراجح: تحريم صناعة التماثيل لذوات الأرواح مطلقًا سواء كانت صناعتها من مادة تبقى وتدوم طويلاً، كالحديد، والخشب ونحوهما. أو كانت من مادة لا تبقى طويلا، كالطين، والحلوى وما يسرع إليه الفساد.
وإلى هذا ذهب الحنفية والجمهور من المالكية والشافعية وهو المفهوم من مذهب الحنابلة ... ".
انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٣٩٠)، "كشاف القناع" (١/ ٢٨٠).
استدلوا على ذلك: بعموم النهي عن صناعة التماثيل من ذوات الروح مطلقًا، والذي ورد في عدد من الأحاديث دون استثناء لأي نوع من الأنواع. أو صناعة من الصناعات أو مادة من المواد، فيبقى الحكم على الأصل وهو التحريم، ومن خص نوعًا أو صناعة، أو مادة من المواد فعليه الدليل.
انظر: "نهاية المحتاج" (٣/ ٣٨٤).
٦ - حكم صناعة التماثيل الناقصة والنصفية، والمشوهة:
اتفق جماهير العلماء على جواز صناعة التماثيل لذوات الروح، إذا كانت مقطوعة الرءوس قطعًا كاملاً، يزيل الرأس بعيدًا عن الجسد.
كما أنهم لم يعتبروا وضع الخيط في العنق قطعا للرأس، لأن ذلك لا يخرج الصورة عن كونها صورة، بل ربما زادها ذلك الفعل كمالاً، وجمالاً وزينة، كما يوجد في بعض الطيور ذوات الأطواق من الحمام ونحوها.
ولكن وقع الخلاف فيما إذا كانت الصورة ناقصة عضو، أو أعضاء مما لا تبقى الحياة مع فقدها، أو فقد واحد منها إذا فقدت من الحي، مع بقاء الرأس، فاختلفوا في هذه الحالة على قولين.
(أ): تحريم صناعة التماثيل والصور المجسمة وغيرها ما دام الرأس باقيًا على الجسد سواء كانت لصورة نصفية، أو مشوهة، أو ناقصة أعضاء لا تبقى الحياة إذا فقد شيء منها، لو فرض زوالها من حي.
وإلى هذا ذهب بعض الشافعية والمتأخرين من الحنابلة.
انظر: "تحفة المحتاج" (٧/ ٤٣٤)، "نهاية المحتاج" (٦/ ٣٧٥ - ٣٧٦).
وهو الراجح. والله أعلم
(ب): أنه إذا قطع من الصورة أي عضو من الأعضاء التي لا يمكن بقاء الحياة مع فقدها لو فرض زوالها من الحي، فإن ذلك يكفي لإباحة الصورة، وزوال المانع، ولو كان الرأس باقيًا في الصورة.
انظر: "بدائع الصنائع" (٦/ ٢٩٦٨)، "فتح الباري" (١٠/ ٣٩٤)، "تحفة المحتاج" (٣/ ٢١٦).
٧ - حكم صناعة لعب الأطفال المجسمة:
(أ): حكم صناعة اللعب من العهن والرقاع كما كان في العهد القديم:
الجواز مطلقًا، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية وبعض المتأخرين من الحنابلة.
انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٣٩٥).
واعتمدوا في ذلك على ما أخرجه البخاري رقم (٦١٣٠) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت ألعب بالبنات عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي".
قال الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٥٢٧): واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن. وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور. وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن.
وما أخرجه أبو داود رقم (٤٩٣٢) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة - لعب - فقال: "ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي! ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟ " قال: فرس! قال: "وما هذا الذي عليه؟ " قالت: جناحان، قال: "فرس له جناحان؟! " قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟! "قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه". وهو حديث صحيح.
والسهوة: شبيها بالرف، والطاق يوضع فيه الشيء. قاله الخطابي في معالم السنن (٥/ ٢٢٧).
(ب): حكم صناعة اللعب من البلاستيك مما جد في هذا العصر وفيه قولان:
١ - ): تحريم صناعة اللعب من البلاستيك متى كانت لذوات الأرواح.
انظر: "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (٣/ ٢٨١).
٢ - ): الجواز وذهب إليه الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيخ القرضاوي والدكتور عبد الله ناصح علوان.
انظر: "تربية الأولاد في الإسلام"، "أحكام التصوير في الشريعة الإسلامية".
٨ - صناعة الصور المسطحة على وجه الامتهان [منقوشة باليد]:
تحريم صناعة صور الأرواح مطلقًا. لما تقدم من الأدلة ومنها قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله".
انظر: "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٧) و"نهاية المحتاج" (٦/ ٣٧٥ - ٣٧٦).
٩ - صناعة الصور المسطحة المنقوشة مما لا يعد ممتهنًا:
ذهب الجمهور إلى تحريم صناعة الصور المنقوشة التي لا تعد للامتهان، كما لو كانت ممتهنة، بل وأشد تحريمًا ومنعًا من ذلك.
"شرح صحيح مسلم" للنووي (١٤/ ٨١)، "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٩).
١٠ - حكم صناعة المنقوشة باليد بدون الرأس: الجواز وذهب إلى هذا جماهير العلماء. للحديث المتقدم وفيه: "فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة".
١١ - حكم صناعة الصورة المنقوشة باليد لذوات الأرواح: إذا كانت نصفية أو ناقصة عضو من الأعضاء التي تزول الحياة بزوالها من الحي حالة كون الرأس باقيًا. (عدم الجواز) وقد تقدم ذكر ذلك.
١٢ - حكم صناعة ما فصل رأسه عن الجسد بخيط ونحوه:
قال في "بدائع الصنائع" للكاساني (٦/ ٢٩٦٨): فإن قطع رأسه، بأن خاط على عنقه خيطًا فذاك ليس بشيء، لأنها لم تخرج عن كونها صورة، بل ازدادت حية كالطوق لذوات الأطواق من الطيور".
وقال في "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٨): وأما قطع الرأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرأس على حاله، فلا ينفي الكراهة.
١٣ - حكم صناعة الصور الخيالية:
الصور الخيالية: كل ما تصوره الشخص بعقله، وتوهمه بفكره من هيئات، وأشكال المخلوقات سواء كان مما له نظير، ووجود في الواقع، أو لم يكن - وسواء كانت من ذوات الأرواح - كرجل له منقار، أو فرس له جناحان - كما يتصور بعض الكتاب في الجرائد والمجلات: أن صورة الشيطان على شكل صورة حيوان مخيفة له قرنان، وذيل
وفي المسألة فيها قولان:
القول الأول: تحريم صناعة الصور الخيالية إذا كانت لذوات الأرواح. ولو كانت لما نظير له في الواقع، كبقر لها مناقير، أو فرس له جناحان أو غير ذلك، وهذا هو رأي الجماهير من فقهاء المذهب الشافعي. وهو الظاهر من كلام بعض الحنفية، وجمهور الحنابلة على حكم صناعة صور ذوات الروح عمومًا، حيث إنهم يرون تحريم صناعة الصور لذوات الأرواح مطلقًا.
ومن أدلتهم: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله".
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".
القول الثاني: في مذهب الشافعية: جواز صناعة الصور لما لا نظير له من الإنسان أو الحيوان. ولم يقدموا دليلاً على ذلك.
والراجح هو القول الأول والله أعلم.
١٤ - حكم صناعة الصور الفوتوغرافية الكاملة:
الراجح والله أعلم يقضي بتحريم التصوير الفوتوغرافي وأنه لا يجوز من ذلك إلا ما دعت إليه ضرورة أو مصلحة عامة.
انظر: "مغني المحتاج" (٣/ ٢٤٨)، "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٨ - ٦٤٩)، "الجواب المفيد في حكم التصوير" (ص ١١ - ٢٢)، "التمهيد" (٢١/ ٢٠٠)، "كشاف القناع" (١/ ٢٨٠)