للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواجبات [٣ أ]، بل ورد في السنة ما يفيد أن هذا هو أعظم قواعد الدين، وأقوى دعائمه وأشد أركانه، وأن هذه الأمة لا تزال بخير ما أمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، فإذا تركت ذلك حل بها من العقوبة ما هو معروف، ولم يقع الخلاف بين المسلمين في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإن اختلفوا في بعض تفاصيله وشروطه، وكيف لا يجمعون على وجوب ذلك وتحريم تركه! وقد صرح به القرآن الكريم في عدة مواضع، وجاء في السنة المطهرة من ذلك ما لو جمع لكان مؤلفًا بسيطًا. وقد قررنا فيما سبق أن تصوير الحيوانات حرام (١).

وتقرر بأدلة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أن كل محرم يجب إنكاره، فالتصوير حرام، وكل حرام منكر، فالتصوير منكر، وكل منكر يجب إنكاره، فالتصوير يجب إنكاره، وأدلة هذه المقدمات معلومة مما تقدم. لا شك فيه من يتعقل الحجج الشرعية. ولكنه بقي هاهنا بحث يحتاج إلى التعرض لبيانه، فإنه يقع السؤال عنه كثيرًا، ويستشكله كثير من أهل العلم، وهو ما وقع في كتب أهل العلم - رحمهم الله - من اشتراط كون التمثال (٢) تمثال حيوان كامل مستقل، أو منسوخ، أو ملحم لا مطبوع.

واعلم أن الظاهر من الأدلة [٣ ب] اعتبار الكمال، لأن التحريم والوعيد في تلك الأدلة واللعن للمصورين إنما هو في تصوير الحيوانات، والمعنى الحقيقي لهذا هو أن تكون الصورة صورة حيوان كاملة، لأن من صور بعض حيوان لا يصدق عليه أنه صور حيوانًا، بل بعض حيوان، والوعيد إنما ورد على تصوير الحيوان، ولكنه لا بد من اعتبار ما ذكره أهل العلم من ذلك، وهو أنه إذا كان التمثال (٣) خاليًا عن بعض ما لا تستقيم


(١) تقدم ذكره.
وانظر: "بدائع الصنائع" (٦/ ٢٩٦٨)، "فتح الباري" (١٠/ ٤٠٢)
(٢) تقدم ذكره.
(٣) (أ): اتفق جماهير العلماء على جواز صناعة التماثيل لذوات الروح، إذا كانت مقطوعة الرءوس قطعًا كاملاً، يزيل الرأس بعيدًا عن الجسد.
(ب): تحريم صناعة التماثيل والصور المجسمة وغيرها ما دام الرأس باقيًا على الجسد سواء كانت الصورة نصفية، أو مشوهة، أو ناقصة الأعضاء لا تبقى الحياة إذا فقد شيء منها، لو فرض زوالها من الحي.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (١/ ٦٤٨)، "تحفة المحتاج" (٧/ ٤٣٤)