(٢) قال الحافظ محمد بن حزم في "رسالة الملاهي" (ص ٤٣٤) - مجموعة رسائله -: "وأما حديث البخاري فلم يورده البخاري مسندًا، وإنما قال فيه: قال هشام بن عمار". وقال في "المحلى" (٩/ ٥٩): هذا منقطع، لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد. والمترجح أن الحديث صحيح متصل على شرط البخاري وذلك من وجوه: ١ - أن هشام بن عمار من شيوخ البخاري، لقيه، وسمع منه، خرج عنه في الصحيح حديثين غير هذا محتجًا به، كما أفاد الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص ٤٤٨ - ٤٤٩) يقول فيهما: "حدثنا هشام بن عمار ... " من غير واسطة. أ - الأول في البيوع (٤/ ٣٠٨). ب - الثاني في "فضائل الصحابة" باب فضل أبي بكر (٧/ ١٨). ٢ - أن قول الراوي: قال فلان بمنزلة قوله "عن فلان" في كونها صيغة محتمة السماع، وإن كان قائلها غير موصوف بالتدليس كانت محمولة على الاتصال على الصحيح الذي عليه الجمهور إن ثبتت المعاصرة كما هو شرط مسلم واللقاء كما شرط البخاري. ولقد تحقق هنا شرط البخاري. وهو ثبوت اللقاء. كما بين في الوجه الأول. ٣ - أنه وقع استعمال البخاري لهذه الصيغة (قال فلان) كثيرًا جدًا عن شيوخه في الأسانيد المتصلة، وذلك في "تاريخه الكبير" وهذا وإن لم يعهد منه في "الصحيح" إلا أنه ممكن الوقوع. لا سيما وأنه ليس عندنا تنصيص من البخاري نفسه على تجنب مثل هذا في "الصحيح"، يؤكده قول من قال: "إن البخاري إذا قال في صحيحه "قال فلان" ولم يصرح بروايته عنه وكان قد سمع منه فإنه يكون قد أخذ عنه عرضًا أو مناولة أو مذاكرة. وقد ورد الحديث موصولاً من طرق عن هشام بن عمار في غير الصحيح. أخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده" و"أبو بكر الإسماعيلي" في "المستخرج" وأبو ذر الهروي على "الصحيح" وابن حبان في صحيحه رقم (٦٧٥٤) والطبراني في "الكبير" (٣/ ٣١٩ رقم ٣٤١٧). ودعلج في "مسند المقلين [ق ١ - ٢/ ١] قالا: حدثنا موسى بن سهل الجوني البصري: ثنا هشام بن عمار به مثل رواية البخاري، ومن طريق الطبراني رواه الضياء المقدسي في "موافقات هشام بن عمار" (ق ٣٧/ ١ - ٢). كما في "تحريم آلات الطرب" للمحدث الألباني (ص ٤٠) رحمه الله. - قال الطبراني في "مسند الشاميين" (١/ ٣٣٤، ٥٨٨): حدثنا محمد بن يزيد بن (الأصل: عن) عبد الصمد الدمشقي. ثنا هشام بن عمار به. ومحمد بن يزيد هذا مترجم له في "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر (١٦/ ١٢٤) برواية الجماعة عنه. توفي سنة ٢٦٩ هـ. - وقال الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح" ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٢١) حدثنا سفيان: حدثنا هشام بن عمار به. والحسن بن سفيان - هو الخراساني النيسابوري حافظ ثبت من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما من الحفاظ - مترجم له في "السير" (١٤/ ١٥٧ - ١٦٢). انظر: "هدي الساري" (ص ٥٩) و"تغليق التعليق" (٥/ ١٨). وهناك أربعة آخرون سمعوه من هشام، خرجهم الحافظ في "تغليق التعليق" (٥/ ١٧ - ١٩) والذهبي عن بعضهم في "السير" (٢١/ ١٥٧) (٧/ ٢٣). ثم إن هشامًا لم يتفرد به لا هو ولا شيخه (صدقة بن خالد)، بل إنهما قد توبعا، فقال أبو داود في "السنن" رقم (٤٠٣٩): حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناده المتقدم على أبي عامر أو أبي مالك مرفوعًا بلفظ: "ليكونن من أمتي أقوامًا يستحلون الحر والحرير - وذكر كلامًا قال يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (١/ ٢٦٠) وهذا إسناد صحيح متصل تبعًا لشيخه في "إبطال التحليل" (ص ٢٣)، لكن ليس فيه التصريح بموضع الشاهد منه، وإنما أشار إليه بقوله: "ذكر كلامًا" وقد جاء مصرحًا به في رواية ثقتين آخرين من الحفاظ، وهو عبد الرحمن بن إبراهيم الملقب بـ (دحيم). قال: ثنا بشر بلفظ البخاري المتقدم. "يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... ". أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح" كما في "الفتح" (١٠/ ٥٦) و"التغليق" (٥/ ١٩) ومن طريق الإسماعيلي البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٢٧٢) والآخر (عيسى بن أحمد العسقلاني) قال: نا بشر بن بكر به إلا أنه قال: "الخز" بالمعجمتين، والراجح بالمهملتين كما في رواية البخاري وغيره. انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٥٥). وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٩/ ١٥٦) من طريق الحافظ أبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي: نا عيسى بن أحمد العسقلاني به مطولاً. قال المحدث الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص ٤٣): وهذه الطريق مما فات الحافظ فلم يذكره في "الفتح" بل ولا في "الغليق". وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في "علوم الحديث" (ص ٦١ - ٦٢): "ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده على ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري ... من جهة أن البخاري أورده قائلاً فيه: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابًا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (٥/ ٢٢) " هذا حديث صحيح، لا علة له ولا مطعن، وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد وبالاختلاف في اسم أبي مالك، وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم، مثل الحسن بن سفيان، وعبدان، وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات". وقال الحافظ ابن رجب في "نزهة الأسماع" (ص ٤٤): "هكذا ذكره البخاري في صحيحه بصيغة التعليق المجزوم به، والأقرب أنه مسند فإن هشام بن عمار أحد شيوخ البخاري، وقد قيل: إن البخاري إذا قال في صحيحه: قال فلان، ولم يصرح بروايته عنه، وكان قد سمع منه، فإنه يكون قد أخذه عنه عرضًا، أو مناولة، أو مذاكرة، وهذا كله لا يخرجه عن أن يكون مسندًا، والله أعلم. ثم ذكر وصله عند البيهقي إلى هشام، وقال: فالحديث صحيح، محفوظ عن هشام بن عمار".