للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد علمت أن هذه قرية ما فيها مزية، وجهالة بلا محالة، وقصور باع بغير نزاع، فهذا هو الأمر الباعث على جمع هذه المباحث، لما لا يخفى على عارف أن رمي من ذكرنا من الصحابة (١) [١١] والتابعين وتابعيهم وجماعة من أئمة المسلمين بارتكاب محرم قطعًا من أشنع الشنع، وأبدع البدع، وأوحش الجهالات، وأفحش الضلالات، فقصدنا الذب عن أعراضهم الشريفة، والدفع عن هذا الجناب للعقول السخيفة. وقد علم الله أنا لم نقعد في مجلس من مجالس السماع،

ولا لابسنا أهلة في بقعة من البقاع،

ولا عرفنا نوعًا من أنواعه،

ولا أدركنا وضعًا من أوضاعه،

ولكنا تكلمنا بما تقتضيه الأدلة، وأزحنا عن صدر المتكلم بالجهالة كل علة، ليكون في إيراد الإنكار وإصداره على علم، ويتبين له أن هذه المسألة ليست من المواطن التي يحمد القائم في تضليل أهلها، ولكن كيف يهتدي إلى سبيل الإنصاف من زعم أن مسألة السماع ليست من مسائل الخلاف، فيالله العجب لو نظر هذا المسكين إلى مصنف من مصنفات المسلمين، لعلم بطلان دعواه، وفور جهله وهواه. وهب أن هذه المسألة محرمة بالإجماع، أما درى هذا الغافل أن للناس في كون الإجماع حجة قطعية أو ظنية مذهبين:

أحدهما: أنه حجة ظنية (٢) لا يفيد العلم، بل يفيد الظن، وإليه ذهب جمع من المحققين كأبي الحسين البصري (٣)، والإمام فخر الدين الرازي (٤)، وسيف الدين الآمدي (٥) وغيرهم.


(١) انظر: "الاستقامة" لابن تيمية (١/ ٢٨٠ - ٢٨٥).
(٢) انظر: "البحر المحيط" (٤/ ٤٤٣ - ٤٤٤).
(٣) انظر: "البحر المحيط" (٤/ ٤٤٣ - ٤٤٤).
(٤) في "المحصول" (٤/ ٦٤).
(٥) في "الإحكام" (١/ ٣٤٣).