للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القرطبي (١) من المالكية: الحق في هذه المسألة التفصيل، فمن قال: إن أدله الإجماع ظنية فلا شك في نفي التكفير، لأن المسائل الظنية اجتهادية، ولا تكفير فيها بالاتفاق، ومن قال أنها قطعية فهؤلاء هم المختلفون في تكفيره، والصواب أنه لا يكفر، وإن قلنا أن تلك الأدلة قطعية متواترة، لأن هذا لا يعم كل أحد بخلاف من جحد سائر المتواترات، والتوقف عن التكفير أولى من الهجوم عليه؛ فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "من قال لأخيه يا كافر فقد باءها بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا حار عليه" (٢) انتهى.

وقال ابن دقيق العيد: من قال أن دليل الإجماع ظني فلا سبيل إلى تكفير مخالفه كسائر الظنيات، وأما من قال أن دليله قطعي فالحكم المخالف له إما أن يكون طريق ثبوته قطعيًا أو ظنيًا، فإن كان ظنيًا فلا سبيل إلى التفكير به.

وإن كان قطعيًا فقد اختلف فيه، ولا يتوجب الاختلاف فيما تواتر من ذلك عن صاحب الشرع بالنقل، فإنه يكون تكذيبًا موجبًا للكفر بالضرورة، وإنما يتوجه الخلاف فيما حصل فيه الإجماع بطريق قطعي، أعني أنه ثبت وجود الإجماع به، ولم ينقل الحكم بالتواتر عن صاحب الشرع (٣).

فتلخص أن مسائل الإجماع تارة يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع، فيكون ذلك تكذيبًا موجبًا للكفر بالضرورة، وإنما يتوجه الخلاف فيما حصل فيه الإجماع بطريق قطعي (٤)، أعني أنه ثبت وجود الإجماع به ولم ينقل الحكم بالتواتر عن صاحب


(١) انظر: "الكوكب المنير" (٢/ ٢٥٩)
(٢) تقدم تخريجه مرارًا
(٣) انظر: "إرشاد الفحول" (ص ٢٨٠ - ٢٨١)
(٤) ومعنى كونه "حجة قاطعة" بالشرع - أي بدليل كونه حجة قاطعة. أي يقدم على باقي الأدلة. وليس قاطع هنا بمعنى الجازم الذي لا يحتمل النقيض، وإلا لما اختلف في تكفير منكر حكمه وهذا مذهب الأئمة الأعلام منهم الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم من المتكلمين.
"تيسير التحرير" (٣/ ٢٢٧)، "الكوكب المنير" (٢/ ٢١٥).