للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة في الصيام وكونه على تلك الصفة في ذلك الوقف المخصوص، أو زعم أنه يعرف وجه الحكمة في كون فرائض الزكاة على تلك الصفة في تلك الأعداد لكان زاعما [١ب] زعما باطلا، ومدعيا دعوى مدفوعة، ومتكلفا (١) ما ليس من شأنه، ومتقولا على الله ما لم يقل، وقد ورد في الزجر عن ذلك في الكتاب العزيز ما ترجف له الأفئدة، وتقشعر له الجلود.

قال الله - عز وجل -: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٢)، فجعل التقول على الله - سبحانه - قرينا للشرك، وعديلا للفواحش. وكفى هذا زاجرا لكل من: {لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (٣).


(١) نقول: إن مذاهب أهل السنة والجماعة في الحكمة والتعليل وهو: "أن أفعال الله تعالى تعلل بالحكم والغايات الحميدة، التي تعود على الخلق بالمصالح والمنافع، ويعود على الله تعالى حبه ورضاه لتلك الحكم، وهذه الحكم مقصودة، ويفعل لأجل حصولها كما تدل عليه النصوص من القرآن والسنة، ورد التعليل في القرآن في مواضع لا تكاد تحصى بأدوات متنوعة".
قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: ٣٢].
وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ} [البقرة: ١٤٣].
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
فأهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل، وإنما ينكرون وجوبه.
قال ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" (٨/ ٩٧): "إذا علم العبد من حيث الجملة أن لله فيما خلقه وأمر به حكمة عظيمة كفاه هذا. ثم كلما ازداد علما وإيمانا ظهر له من حكمة الله ورحمته ما يبهر عقله، ويبين له تصديق ما أخبر الله به في كتابه حيث قال: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: ٥٣].
(٢) [الأعراف: ٣٣].
(٣) [ق: ٣٧].