للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدنيا لا الولد لذاته، ولا لقرابته، كذلك محبة الولد لوالده، فإنك تجد الولد قبل اقتداره مع كون والده هو القائم بجميع ذلك لبقاء قوته، وعدم عجزه عن الاكتساب غير من محبة والده لا يقادر قدرها، ولا يمكن تصورها، ولا يمكن تصور كنهها، فإذا عرض موته حصل مع الولد من الجزع والفزع ما نشاهده [٢أ] فيمن كانت كذلك، وهو عند التحقيق إنما يبكي لما فاته من المنافع التي كانت تصل إليه، وإلى قرابته من والده، وبرهان هذا أنه لو بلغ الولد إلى حد لا يحتاج معه في الدنيا إلى أحد، وصار وجود والده كعدمه في إدخال المنافع الدنيوية عليه وعلى من يعول كان أهون مفقود عليه، بل ربما حصل له بموته السرور، ولا سيما إذا كان للأب شيء من الحطام، وهذا على فرض بقاء قوة الأب وصحته وسلامته، فالأب باق موجود حي سوي، فلو كانت المحبة للقرابة لكانت هذه الحالة كالتي قبلها، ولكن المحبة إنما هي للدنيا، فحيث يتعلق بالأب الغرض الدنيوي كان له من المحبة ما ذكرناه أولا، وحيث لم يتعلق به ذلك الغرض لم يكن له منها شيء كما ذكرناه ثانيا.

وأما إذا بلغ الأب إلى حد الضعف والقعود والعجز الكلي عن مباشرة الأمور، فربما يتمنى ولده موته، والأبوة والبنوة بحالهما، فالحاصل أن بكاء الأب على ولده بكاء على فوت دنياه الآجلة، وبكاء الولد على والده بكاء لدنياه العاجلة، ومن أنكر هذا كرر النظر فيه، وأمعنه، فإنه يجده صحيحا، كذلك محبة الزوج لزوجته ليس إلا لما [٢ب] يناله منها من اللذة الدنيوية، فلو أصيبت بمصيبة أذهبت ما يدعوه إلى محبتها من جمال، أو كمال، أو حسن تدبير في أمور المعاش وحرص على مال الزوج لوجدت الزوج يمج بها للموت، ويعد ذلك من الفرج، فإن تطاول عليه الأمر كان صبره عليها من أعظم المروءة وإلا فالغالب ..... (١) وقطع علاقة محبتها، فإن أحبها في تلك الحالة لكونها ذات أولاد فذلك أيضًا لأمر يرجع إلى الدنيا لما عرفت.


(١) بياض في المخطوط.