كذلك الزوجة إذا وقع مع زوجها ما يذهب غرضها الدنيوي منه كانت مثله فيما سلف، فلو كانت المحبة لمحض الزوجية لم يذهب بذهاب العرض الدنيوي مع بقائها، كذلك المحبة بين الأجانب فإن أعظم أنواعها والفرد الكامل منها هو محبة العاشق للمعشوق، وهي آيلة إلى محبة الدنيا؛ لأن غرض العاشق قرب المعشوق واجتماعه به، والباعث على ذلك إما شفاء الداء الناشئ عن البعد، أو الالتذاذ بالمشاهدة، أو بالكلام أو بالجماع، أو مقدماته، وكل ذلك أغراض دنيوية، فلو عرض للمعشوق ما يزول به الأمر الحاصل على عشقه لما كان العاشق عاشقا حينئذ، فعرفت أن المحبة العشقية [٣أ] دنيوية محضة، كذلك محبة الخادم للمخدوم، فإنها ليست إلا لكونه مزرعة لمنافعه، فلو فرض ذهاب الأمر الموجب للخدمة، أو وجود مخدوم آخر يساوي المخدوم الأول، أو يزيد عليه لم يبق من تلك المودة شيء.
إذا تقرر لك أن هذه الأنواع التي هي أقوى أنواع الحب ليست إلا من محبة الدنيا لتصور بعض منافعها في ضمن شخص من الأشخاص تبين لك ما هو دونهما بفحوى الخطاب، فإنه يجعله من محبة الدنيا أولى وأحرى، وذلك كالمحبة الكائنة بين الإخلاء البالغين في التخالل إلى أعلى الدرجات، حتى يستحق كل واحد منهم بالنسبة إلى الآخر اسم الصديق أو .... (١) عن الغاية فيطلق على كل واحد منهم اسم الصاحب، فإنك إذا أمعنت الفكر، ودققت النظر وجدت السبب الحامل على ذلك عرضا دنيويا، وهو جلي وخفي، فإذا مات أحد الإخلاء وذلك الغرض يتعلق به [٣ب] كان الحزن عليه حزنا على ذلك الغرض الفائت، وإن مات وذلك الغرض غير متعلق به كان أهون فائت، هذا معلوم لا شك فيه، ومن أنكر فعليه بالاستقراء مع التفكر، وأقل الأعراض في الصحبة مثلا أنس أحد الشخصين بالآخر، والنشاط إلى الاجتماع به، وملاقاته، فإن هذا الغرض ربما يخفى أنه من أغراض الدنيا، وهو منها بلا ريب، فإن ترويح الخاطر بحالة من