للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكروه ووقوعه على العبد.

وهكذا يكون الجمع بين الأحاديث الواردة بسبق القضاء. وأنه فرغ من تقدير الأجل والرزق والسعادة والشقاوة، وبين الأحاديث الواردة في صلة الرحم بأنها تزيد في العمر، وكذلك سائر أعمال الخير، وكذلك الدعاء، فتحمل أحاديث الفراغ من القضاء على عدم تسبب العبد بأسباب الخير أو الشر.

وتحمل الأحاديث الأخرى على أنه قد وقع من العبد التسبب بأسباب الخير من الدعاء والعمل الصالح، وصلة الرحم أو التسبب بأسباب الشر، فإن قلت قد تقرر بالأدلة من الكتاب والسنة بأن علمه - عز وجل - أزلي، وأنه قد سبق في كل شيء، ولا يصح أن يقدر وقوع غير ما قد علمه، وإلا انقلب العلم جهلا، وذلك لا يجوز إجماعا.

قلت: علمه - عز وجل - سابق أزلي، وقد علم ما يكون قبل أن يكون، ولا خلاف بين أهل الحق من هذه الحيثية، ولكنه غلا قوم فأبطلوا فائدة [٢ب] ما ثبت في الكتاب والسنة من الإرشاد إلى الدعاء.

وأنه يرد القضاء، وما ورد من الاستعاذة منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سوء القضاء، وما ورد من أنه يصاب العبد بذنبه، وبما كسبت يده، ونحو ذلك مما جاءت به الأدلة الصحيحة (١)، وجعلوه مخالفا لسبق العلم ورتبوا عليه أنه يلزم انقلاب العلم جهلا، والأمر أوسع من هذا والذي جاءنا بسبق العلم وأزليته هو الذي جاءنا بالأمر بالدعاء، والأمر بالدواء، وعرفنا بأن صلة الرحم تزيد في العمر، وأن الأعمال الصالحة تزيد فيه أيضا، وأن أعمال الشر


(١) منها: ما أخرجه أحمد (٥/ ٢٧٧، ٢٨٢) وابن ماجه رقم (٩٠) والنسائي في "السنن الكبرى" (٢/ ١٣٣) كما في "تحفة الأشراف" والحاكم في "المستدرك" (١/ ٤٩٣) والطبراني في "المعجم الكبير " (٢/ ١٠٠) وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠/ ٤٤١ - ٤٤٢) والبغوي في "شرح السنة" (١٣/ ٦) وابن حبان في صحيحه رقم (٨٧٢). من حديث ثوبان مرفوعًا بلفظ: " لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
وهو حديث حسن.