للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قد علمنا من أهل الإسلام سابقهم ولاحقهم سيما الصالحين منهم أنهم يدعون الله عز وجل فيستجيب لهم ويحصل لهم ما طلبوه من المطالب المختلفة بعد أن كانوا فاقدين لها، ومنهم من يدعو لمريض قد أشرف على الموت بأن يشفيه الله فيعافى في الحال، ومنهم من يدعو على فاجر بأن يهلكه الله فيهلك في الحال (١).

ومن شك في شيء من هذا، فليطالع الكتب الصحيحة في أخبار الصالحين كحلية (٢) أبي نعيم، وصفوة الصفوة (٣) لابن الجوزي، ورسالة (٤) القشيري، فإنه يجد من هذا القبيل ما ينشرح له صدره، ويثلج به قلبه، بل كل إنسان إذا حقق حال نفسه، ونظر في دعائه لربه عند عروض الشدائد، وإجابته له، وتفريجه عنه ما يغنيه عن البحث عن حال غيره إذا كان من المعتبرين المتفكرين.

وهذا نبي الله المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - كان يحيي الموتى بإذن الله، ويشفي المرض بدعائه، وهذا معلوم عنه [٥أ] حسبما أخبرنا الله - سبحانه - عنه به في كتابه الكريم، وفي الإنجيل من القصص المتضمنة لإحياء الموتى منه، وشفاء المرض بدعائه ما يعرفه من اطلع عليه.

وبالجملة فهؤلاء الغلاة الذين قالوا إنه لا يقع من الله - عز وجل - إلا ما قد سبق به القلم، وإن ذلك لا يتحول ولا يتبدل، ولا يؤثر فيه دعاء ولا عمل صالح فقد خالفوا ما


(١) قال النووي في "الأذكار" (ص٥٦٧): نقلا عن الغزالي قال: فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن الترس سبب لدفع السلاح، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:١٠٢] فقدر الله الأمر، وقدر سببه، فالسبب والمسبب كلاهما مقدر من الله سبحانه مكتوب في اللوح المحفوظ.
(٢) تقدم التعليق عليهم.
(٣) تقدم التعليق عليهم.
(٤) تقدم التعليق عليهم.