للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجعله نفس ما وردت به التوراة والإنجيل، ويجزم به ويحرره في كتبه مظهرا أن الشريعة المحمدية جاءت بما لم يكن في الشرائع السابقة، زاعما أن ذلك دليل على كمالها، مبطنا ما أبطنه هذا الزنديق ابن ميمون اليهودي، كما فعل ذلك ابن سينا (١)، وتبعه ابن أبي الحديد (٢) في شرح (النهج) (٣). بل جاوز ما قاله هذا إلى ما هو شر منه، فقال: إن التوراة لم يأت فيها وعد ووعيد يتعلق بما بعد الموت. وهذه فرية على التوراة، وجحد لما فيها، وتحريف لما صرحت به في غير موضح كما قدمنا بعض ذلك. وكذلك زعم أن المسيح وإن صرح بالقيامة فقد جعل العذاب روحانيا، وكذلك الثواب، وهذا أيضًا كذب محض. وقد قدمنا ما يفيدك ذلك، ويطلعك على كذبهما. والعجب أن ابن ميمون اليهودي لم يتجاسر على ما زعماه من أن التوراة لم يأت فيها وعد ووعيد يتعلق بما بعد الموت، بل أثبت ذلك، واستدل عليه بالتوراة كما عرفت من كلامه السابق المتضمن لاعترافه، ولمخالفته في إثبات اللذات الجسمانية. فإن قلت: قد جاء عن الصابئة، وعن جماعة من المتعلقين بمذاهب الحكماء ما يوافق كلام ابن ميمون المذكور. قلت: لسنا بصدد الرد على كل كافر ومتزندق، بل بصدد الكلام على ما جاءت به رسل الله،


(١) هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا، البلخي، ثم البخاري يلقب بالشيخ الرئيس، فيلسوف، طبيب، شاعر ولد سنة ٣٧٠ هـ كان هو وأبوه من أهل دعوة الحاكم العبيدي من القرامطة الذين لا يؤمنون بمبدأ، ولا بمعاد، ولا رب، ولا رسول. من تصانيفه الإشارات، القانون في الطب وتقاسيم الحكمة.
انظر: شذرات الذهب (٣/ ٢٣٤)، معجم المؤلفين (٤/ ٢٠).
(٢) هو عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني كان فقيها أصوليا، وله في ذلك مصنفات معروفة مشهورة، وكان متكلما جدليا، اصطنع مذهب الاعتزال ولد بالمدائن في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانين وخمسمائة، ونشأ بها، نظم القصائد المعروفة بالعلويات السبع على طريقتهم، وفيها غالي وتشيع. من مصنفاته، الاعتبار، شرح نهج البلاغة.
انظر: البداية والنهاية (١٣/ ٢١٣) وفوات الوفيات (٢/ ٢٥٩) والوافي في الوفيات (١٨/ ٧٦، ٧٧).
(٣) لم أجد هذه العبارات في شرح النهج.