للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقالة كما قدمنا، وهم جميعا يخالفونك، ويثبتون المعاد الجسماني، واللذات الجسمانية، ويكفرون من لم يثبتها كما كفروك ويلعنونه كما يلعنوك. وإن أردت علماء الملة النصرانية، فهم متفقون بأسرهم على إثبات المعاد الجسماني، وإثبات اللذات الجسمانية والنفسانية فيه، وكيف يخالف منهم مخالف في ذلك، والإنجيل مصرح هذا الإثبات تصريحا، لا يبقى عنده ريب لمرتاب. وإن أردت علماء الملة الإسلامية فذلك كذب بحت، وزور محضر، فإنهم مجمعون على ذلك، لا يخالف منهم فيه مخالف. ونصوص القرآن من فاتحته إلى خاتمته مصرحة بإثبات المعاد الجسماني، وإثبات تنعم الأجسام فيه بالمطعم والمشرب والمنكح وغير ذلك، أو تعذيبها بما اشتمل عليه القرآن من تلك الأنواع المذكورة فيه، وهكذا النصوص النبوية المحمدية مصرحة بذلك تصريحا يفهمه كل عاقل، بحيث لو جمع ما ورد في ذلك منها لجاء مؤلفا بسيطا.

وأما استدلاله بقوله في التوراة: "لكي يطيب لك في العالم الذي كله طيب، ويطيل أيامك في العالم الذي كله طائل" فهذا دليل على الملعون، فإن الخطاب في الدنيا لمجموع الشخص الذي هو الجسم والروح. وظاهره أنه يكون له هذا على الصفة التي خوطب وهو عليها، وأنه يحصل له جميع ما يتلذذ به من اللذات الجسمانية والنفسانية، ومن ادعى التخصيص ببعض الشخص، أو ببعض اللذات، فهو يدعي خلاف الظاهر. ولكن المحرف المتزندق لا مقصد له إلا التلبيس على أهل الأديان. وكذلك قوله: "وقد قال النبي أشعيا: إن العالم المستقبل ليس يُدرك بالحواس، وهو قوله: "لا عين تقدر أن تراه". فإن هذا هو مثل ما قدمنا من كلام الأنبياء في استعظام ما عند الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة. وهذا تعرف أنه لم يكن في كلام هذا الملعون الزنديق ما يتمسك به متمسك، أو يغتر به مغتر [١١]، بل هو خلاف ما في كتب الله جميعا كما قدمنا، وخلاف ما عند علماء الملل، بل خلاف ما أقره به في كلامه السابق إقرار مكررا.

فيا عجبا لمن يتمسك بمثل هذا الكلام الذي لم يجر على نمط ملة من الملل، ولا وافق نصا من نصوص كتب الله -سبحانه-، ولا نصا من نصوص رسل الله جميعا!،