للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويطلق الحلم أيضًا على ترك الطيش، وتجنب أسباب الحمق على اختلاف أنواعها، وإن لم يكن هناك سبب من الأسباب المقتضية للجزع، فمادة اجتماع الصبر والحلم هي حيث يكون سبب من أسباب الجزع، فيتلقاه الإنسان بالصبر اختيارا، ويكون ذلك على هيئة فيها سكون وأناة وطمأنينة، فإنه يقال لهذا صابر حليم (١).


(١) قال الخطابي: الحليم: هو ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب، ولا جهل جاهل، ولا عصيان عاص، ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحليم إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة ... فإن قيل: فكيف يتضمن الحلم الأناة، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأشج عبد القيس: " إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة" فعددهما، فاعلم أن الأناة قد تكون مع عدم الحلم، ولا يصح الحلم أبدا إلا مع الأناة، والأناة ترك العجلة، فقد تكون لعارض يعرض، ولا يكون الحلم أبدا إلا مشتملا على الأناة متأملة، وكذلك لا يكون الحليم إلا حكيما واضعا للأمور مواضعها، عالما قادرا فإن لم يكن قادرا كان حلمه ملتبسا بالعجز والوهن والضعيف، وإن لم يكن عالما كان تركه الانتقام للجهل، وإن لم يكن حكيما فربما كان حلمه من السفه وتتبع أمثال هذا، فإذا علمت أن هذا الاسم يدل على صفات وأحوال وأفعال وترك وتوقيت فقد يظهر من ذلك على المسمى به وصف جملي وقال أصحاب النقل: اختلف الناس في وجه وصف الباري بالحلم على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه عبارة عن نفي الطيش والسفه وكل ما يضاد الخلق المحمود الذي هو الصبر والثبات في الأمور، وعلى هذا يكون وصفا للذات، سلبيا لتقدس ذاته عن النقائض واستبدادها بالكمال الخالص.
الثاني: أنه من صفات الأفعال يجري مجرى الإحسان والإفضال.
الثالث: أنه إرادة تأخير العقوبة، قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس:١١].
وانظر: " الأسني في شرح أسماء الله الحسنى" (١/ ٩٥ - ٩٦).