للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه:

لفظ سؤال ورد على القاضي العلامة عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني - حماه الله -، من بعض تلاميذه في شهر محرم الحرام سنة ١٢٥١. وهو: الله يحفظكم، ويبارك في عمركم، ويكتب نواياكم، وأفضل السلام عليكم ورحمة الله.

المراد من أفضالكم إيضاح حكم من يفعل في ملكه شيئا يضر بجاره من تعلية يحصل بها اطلاع على دار جاره، أو إحراما، أو إثارة دخان، أو دق نجارة أو حدادة، أو غير ذلك مما يفعل في الملك ويضر بالجار.

فهل يمنع من ذلك أم لا؟ لأن في المسألة قولين: المختار عدم المنع، وإذا قلنا: إن له ذلك في ظاهر الشرع فهل يأثم في الباطن؟ وأي الدليلين أقوى: هل دليل من قال يمنع أو عدمه؟ وما هو اختياركم في هذه المسألة؟ هذا وجه الإشكال في هذه المسألة - جزاكم الله خيرا، بحق محمد وآله (١) -.


(١) قال أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء: إنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق - لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك - يتضمن شيئين:
١ - الإقسام على الله سبحانه وتعالى به، وهذا منهي عنه عند جماهير العلماء.
٢ - السؤال به، فهذا يجوز وطائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف وهو موجود في دعاء كثير من الناس، ولكن ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك كله ضعيف بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أنه لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذي علمه أن يقول: " أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ". وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشفاعته .. تقدمت مناقشته.
وقال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (١/ ٢٢٠) فيحمل قول القائل: أسألك بنبيك محمد على أنه إذا أراد أني أسألك بإيماني به وبمحبته، وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته ونحو ذلك ... هذا جائز بلا نزاع.
قيل: من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع. وإذا حمل على كلام من توسل بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد مماته من السلف، كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره كان هذا حسنا، وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع.
ولكن كثير من العوام يطلقون هذا اللفظ ولا يريدون هذا المعنى فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر.