للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عددهم بلغ إلى مائة (١) ألف وأربعة وعشرين ألفا، ولا خلاف بين أهل النظر أن اتفاق مثل هذا العدد يفيد العلم الضروري بصدق ما اتفقوا عليه، بل اتفاق عشر هذا العدد، بل اتفاق عشر عشره يفيد ذلك. ومن ينكر في هذا الاتفاق فعليه بمطالعة التوراة، فإنها قد اشتملت على حكاية حال الأنبياء من لدن آدم إلى بعثة موسى، وفيها التصريح بتصديق بعضهم بعضا، ولم يقع من واحد منهم الإنكار لنبوة أحد ممن تقدمه. ثم جاء من بعد موسى وهارون أنبياء بني إسرائيل، وكل واحد منهم يقر بمن تقدمه، ويثبت نبوته، كما اشتمل على ذلك كتب نبواتهم، وكثير منهم كان يجاهد من يعبد الأصنام من بني إسرائيل وغيرهم. وقد وقعت لهم قصص وحروب مع من كان يعبد الصنم المعروف (ببعل) الذي ذكره الله -سبحانه- في القرآن (٢). وكذلك كان لهم قصص وحروب مع من كان يعبد غيره من الأصنام. وهكذا داود وسليمان، وهما من أنبياء بني إسرائيل، وممن يدين بالتوراة، ما زالا في حرب مع عباد الأصنام كما يحكي ذلك الزبور، وكتاب داود، وكما تحكيه وصايا سليمان، وهى كتاب مستقل.

وهكذا الإنجيل، فإن المسيح - عليه السلام- كان يحتج على المخالفين له من اليهود بنص التوراة في غالب فصوله المشتملة على حكاية المسائل التي أنكرها عليه اليهود. ومع هذا فلم يقع اختلاف بينهم قط في الدعاء إلى توحيد الله، وإثبات المعاد، وصحة نبوة كل واحد منهم وصدقه، فيما جاء به من الشرع، وفيما حكاه عن الله - سبحانه-. وهذه هي الثلاثة المقاصد التي جمعنا هذا المختصر لتقرير اتفاقهم عليها، وإثباتهم لها، وكثيرا ما كان يقع التبشير من السابق منهم باللاحق، كما هو مصرح به في التوراة من تبشير موسى بيوشع بن نون، وكما هو مصرح به في الزبور من تبشير داود بعيسى، وهو الرابع عشر من أولاده، فإن بين داود والمسيح أربعة عشر أبا. وقيل أكثر من


(١) تقدم تخريجه (ص٤٨٤) وهو حديث ضعيف.
(٢) قال تعالى: (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين) [الصافات: ١٢٥].