قوله:" يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ".
لما ذكر سبحانه وتعالى ما أنعم به على عباده من أمور الدنيا والآخرة وأرشدهم إليه من مصالح الدين والدنيا، أبان لهم هاهنا أنه لم يفعل ذلك لمصلحة ترجع إليه منهم، ولا لفائدة يوصلونها إليه، لأنهم أحقر وأقل من أن يستطيعوا ذلك، أو يبلغوا إليه بوجه من الوجوه.
ولهذا قال:" إنكم لن تبلغوا ضري "، أي: ليس لكم من القدرة ما تطيقون أن تبلغوا به ذلك، فإني الخالق لما فيكم من القوة والقدرة، والموجد لها فيكم، والمتفضل بها عليكم، فكيف تبلغون إلي ذلك المبلغ الذي أنتم أعجز من أن تصلوا إلى شيء منه، وأقل من أن تبلغوا ما هو دونه.
وصدق الله عز وجل فإن العبد غاية ما يتمكن منه ويصل إليه أن يعصي الله تعالى وتقدس، وهو إنما يضر بذلك نفسه، ويوردها في موارد الخسران، ويقودها إلى العذاب الأليم، والبلاء المقيم، ويتعرض لانتقام منه وحلول سخطه عليه، فيجمع له بين عذاب الدنيا والآخرة، فلا دنياه أبقى، ولا آخرته رجا، فكان كما قلت:
إن أشقى الناس في الناس فتى ... بين ترك الدين والدنيا جمع
صار كالمنبت في الأسفار لا ... ظهره أبقى ولا أرضا قطع
وعلى فرض أن الله سبحانه يمهله ويستدرجه من حيث لا يعلم، ويخلي بينه وبين عصيانه وطغيانه، فمن ورائه نار جهنم، فقد باع الحياة الدنيا الأبدية والنعيم المقيم بعاجل لذة زائلة ونعمة ذاهبة، واستبدل بها عذاب الأبد وشقاء الدهر الذي لا ينفد ولا ينقطع.
وهكذا من كان من العباد مطيعا لله عز وجل، قائما بما أوجبه عليه من الواجبات البدنية والمالية، متصدقا بماله متقربا إلى الله بما خوله من النعم وأعطاه من البر، فهو لم