للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينفع بذلك إلا نفسه، وربح الفوز بالنعيم الأبدي والسلامة من العذاب الأخروي، ومع ذلك قد يكون ما فعله من الخير سببا لحراسة ما تفضل الله به عليه في الدنيا عن الزوال، فإن إعمال الخير لا سيما بذل المال للمحاويج؛ من أعظم أنواع الشكر الذي وعد الله عباده إن فعلوه بالمزيد فقال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (١) فهذا قد نفع نفسه في دنياه وأخراه، كما ضر الأول نفسه في عاجلته وآجلته وكلاهما لم يجاوز ضر نفسه ولا نفع نفسه، وذلك غاية قدرته ونهاية استطاعته فسبحان الله العظيم، ما ألطفه وأرأفه بعباده، حتى بلغ معهم في التعليم والإرشاد إلى هذه الغاية، لدفع ما لعله يقع في خواطر الصم البكم الذين هم أشبه بالدواب وإن كانوا في مسلاخ إنسان وجسم بني آدم كما وقع من اللعين حيث قال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} (٢).

فسبحان الصبور على مثل هذه الحماقات من هؤلاء الذين هم كالأنعام؛ بل هم أضل سبيلا.

قوله: " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ".

لما ذكر الله سبحانه أن عباده لا يبلغون ضره ولا يبلغون نفعه، وكانت عقولهم القاصرة محتاجة إلى مزيد تصريح وتأكيد وطرف من الإيضاح والمبالغة، أخبرهم سبحانه بأن انتفاء ذلك الضر والنفع الذي نفى عوده إلى حضرته المقدسة وجنابه الأعز الأجل، ليس هو باعتبار نوع من أنواع العالم، أو باعتبار أهل عصر من العصور، بل لو اجتمع أول الثقلين وآخرهم، وكانوا على غاية من الصلاح والانقياد والطاعة والتقوى، بل لو


(١) [إبراهيم:٧].
(٢) [غافر:٣٦].